vendredi 18 février 2011

المنتدى الاجتماعي العالمي إعلان الجلسة العامة للحركات الاجتماعية

نحن، المجتمعات والمجتمعين في الجلسة العامة للحركات الاجتماعية للمنتدى الاجتماعي العالمي 2011 المنعقد بدكار، نؤكّد على المساهمة الحيويّة لإفريقيا وشعوبها في بناء الحضارة الإنسانية. إنّ شعوب كلّ القارّات تناضل معا بأقصى طاقتها معارضةً لهيمنة رأس المال، هذه الهيمنة التي تتخفّى تحت عناوين الوعود بالتقدّم الاقتصادي والتظاهر بالاستقرار السياسي. إنّ تحرّرالشعوب المضطهَدة من الاستعمار يبقى بالنسبة إلينا نحن كحركات اجتماعية في كل مناطق العالم تحديّا كبيرا.
نؤكّد على مساندتنا وتضامننا الفاعل مع الشعبيّن التونسي والمصري وشعوب العالم العربي التي تهبّ اليوم مطالبةً بديمقراطية حقيقية وقيام السلطة الشعبية. إنّهم يشيرون إلى درب عالم آخر يتخلّص من الاضطهاد والاستغلال.
ونعيد تأكيدنا بكل قوّة على مساندتنا للشعب الايفواري وشعوب إفريقيا وكل العالم في كفاحها من أجل ديمقراطية سياديّة وتشاركيّة. كما نؤكّد على حقّ كلّ الشعوب في تقرير مصيرها.
إنّ جلسة الحركات الاجتماعية، في إطار مسار المنتدى الاجتماعي العالمي، هي الفضاء الذي يجمعنا بتنوّعنا لضبط أجنداتنا ونضالاتنا المشتركة ضدّ الراسماليّة والأبويّة (البطريركية) والعنصريّة وكلّ أشكال التمييز.
نحيي اليوم في دكّار مضّى سنوات عشر على أوّل منتدى اجتماعي كان قد انعقد سنة 2001 ببورتو أليغري. وقد نحتنا طيلة هذه الفترة تاريخا وعملا مشتركين ساهما في تحقيق بعض التقدّم وكان ذلك خصوصا في أمريكا اللاتينية حيث نجحنا في كبح التحالفات النيوليبرالية. وحيث تحقّقت بالملموس العديد من البدائل من أجل نتمية اجتماعية عادلة ومحترمة للطبيعة
كما شهدنا طيلة هذه السنوات العشر انفجار أزمة شاملة آلت إلى أزمة غذائية وبيئيّة وماليّة واقتصادية. وقد أدّت هذه الأزمة إلى تفاقم النقل القسري للسكان والاستغلال والمديونية وانعدام العدالة الاجتماعية.
إنّنا ندين دور فاعلي النظام (البنوك والشركات العابرة للقوميات وكبرى وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية..)، إنّ هؤلاء الفاعلين، وهم يسعون إلى الربح الأقصى، يواصلون سياستهم التدخّلية (الوصائية) عن طريق الحروب والاحتلال العسكري وما يعتبرونه بعثات إنسانية وإنشاء قواعد عسكرية ونهب الثروات الطبيعية واستغلال الشعوب والمناورة الايديولوجية. كما ندين بنفس القدر استقطاب أولئك الفاعلين الدولة عن طريق تمويل قطاعات اجتماعية موظَّفة لمصالحهم وممارساتهم
إنّ الرأسمالية تدمّر الحياة اليوميّة للنّاس لكنّ يظهر كلّ يوم العديد من النضالات من أجل العدالة الاجتماعية وإلغاء أضرار الاستعمار كي يعيش الجميع حياة كريمة إنّنا نؤكّد،نحن الشعوب،أنّنا لن نسدّد فواتير أزمتهم. وأنّه لا خروج من تلك الأزمة في إطار النظام الرأسمالي. ونكرّر تأكيدنا على ضرورة بناء استراتيجية مشتركة للنضال ضدّ الرأسمالية.
إنّنا كحركات اجتماعية :
  • نناضل ضدّ الشركات العابرة للقوميات لأنّها شركات داعمة للنظام الرأسمالي وتخصخص الحياة والخدمات العامّة والخيرات المشتركة كالمياه والهواء والأرض والبذور الثروات الباطنية. إنّ الشركات العابرة للقوميات تشجّع الحروب عن طريق الشركات الخاصة والقراصنة وصناعة التسلّح متسبّبة في ممارسات مدمّرة للحياة. وهي شركات تحتكر أراضينا وتطوّر البذور والاغذية المعدّلة جينيا التي تحرم الشعوب من حقّها في الغذاء وهي مسبّبة كذلك في القضاء على التنوّع البيولوجي.
  • نسعى إلى فرض سيادة الشعوب في تحديد نمط حياتها ونطالب تإتّباع سياسات تحمي الإنتاج المحلي وتوفّر الكرامة وتحافظ على القيم الاصيلة للحياة. كما ندين الإتفاقيات النيوليبرالية للتبادل الحرّ ونطالب بحريّة تنقّل الاشخاص.
  • سنواصل التعبئة من أجل الإلغاء غير المشروط للديْن العمومي لكل بلدان الجنوب كما ندين في نفس الوقت استخدام الدين العمومي لفرض سياسيات غير عادلة وغير اجتماعية على السكان في بلدان الشمال.
  • لنعلن التعبئة الكثيفة بمناسبة انعقاد اجتماعات قمّة الثماني ومجموعة العشرين وذلك لرفض هذه السياسات التي تعاملنا على أنّنا سلع.
  • نناضل من أجل عدالة مناخية والسيادة الغذائية. فالانحباس الحراري نتيجة مترتّبة عن النظام الرأسمالي إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا. إنّ الشركات العابرة للقوميات والمؤسسات المالية الدولية والحكومات الخادمة لها ترفض التقليص من انبعاث الغاز المسبّب للانحباس الحراري.كما ندين "الرأسمالية الخضراء" رافضين حلولها الخاطئة للأزمة المناخية مثل الوقود النباتي و الأجسام المعدّلة جينيا وآليات سوق الكربون مثل الـ REDD التي توهم السكان المفقّرين بالتقدّم وهي تخصخص الغابات والأراضي التي يعيشون بها منذ آلاف السنين محوّلة تلك الغابات والأراضي إلى سلع.
  • إنّنا ندافع على السيادة الغذائية والإتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه أثناء قمّة الشعوب ضدّ التغييرات المناخية المنعقدة بكوشابامبا حيث اقترحت الحركات الاجتماعية ومنظمات العالم بدائل حقيقية للأزمة المناخية.
  • لنعلن جميعا التعبئة وخصوصا في القارة الإفريقية أثناء COP 17 بمدينة دوربان في جنوب إفريقيا وقمّة "ريو + 20 التي ستنعقد سنة 2012 وذلك لنؤكّد مجدّدا على حقوق الشعوب والطبيعة وإيقاف العمل بإتّفاق كانكون غير الشرعي.
  • إنّنا ندافع على فلاحة المزارعين باعتبارها حلاّ حقيقيا للأزمة الغذائية والمناخية والتي تعني أيضا تملّك الفلاّحين للأراضي التي يعملون بها. وننادي، من أجل ذلك، إلى تعبئة كبيرة لإيقاف انتزاع الأراضي ومساندة النضالات المحليّة للفلاّحين.
  • نناضل ضدّ العنف المسلّط على النساء والذي يمارس باستمرار في المناطق المحتلّة عسكريا وكذلك ضدّ العنف الذي تعاني منه النساء وتجريمهنّ لمشاركتهنّ النشيطة في النضالات الاجتماعيّة. ونناضل كذلك ضدّ العنف العائلي والجنسي الممارس عليهنّ ويتمّ اعتبارهنّ أشياءَ وسلعا وذلك حين لا يتمّ الإعتراف بسيادتهنّ على أجسادهنّ وأرواحهنّ. إنّنا نناضل ضدّ هذه المعاملة للنساء والفتيات والأطفال. فلنعلن جميعا التعبئة في كلّ مكان من العالم ضدّ العنف المسلّط على النساء. ولندافع عن التنوّع الجنسي وحقّ تحديد الجنس وللناضل ضدّ العنف الجنسي.
  • نناضل من اجل السّلم وضدّ الحرب والاستعمار والاحتلال وعسكرة أراضينا.
  • تستخدم القوى الإمبريالية القواعد العسكرية لإذكاء الصراعات ومراقبة الثروات الطبيعية ونهبها وتشجّع على المبادرات المعادية للديمقراطية مثل ما فعلت ذلك مع الانقلاب في الهندوراس والاحتلال العسكري في هايتي وتعزيزها للحروب والخلافات كما تفعل ذلك في أفغانستان والعراق وجمهورية الكنغو الديمقراطية والعديد من البلدان الأخرى.
  • علينا أن نعزّز نضالنا ضد قمع الشعوب وتجريم كفاحها، وعلينا تعزيز روابط التضامن بين الشعوب مثل الحركة العالمية لمقاطعة اسرائيل ومعاقبتها ومقاطعة الاستثمار فيها. إنّ كفاحنا يتوجه كذلك ضدّ منظمة الحلف الأطلسي ومن أجل إلغاء كلّ الأسلحة النووية.
  • إنّ كلّ هذه النضالات تستبع مواجهة الأفكار التي لا يمكن معها تحقيق التقدّم دون دمقرطة الاتصال. ونؤكّد أنّه من الممكن بناء عولمة من طراز آخر انطلاقا من الشعوب ومن أجلها وبمشاركة رئيسية من الشباب والنساء والفلاحين والشعوب الاصليّة.
  • تدعو جلسة الحركات الاجتماعية القوى والفاعلين الشعبيين في كل البلدان إلى تطوير تحرّكين للتعبئة عن طريق التنسيق على مستوى عالمي :المساهمة في تحقيق التحرّر وتقرير الشعوب مصيرها وتعزيز النضال ضدّ الرأسمالية.
  • ونحن نستلهم نضالات الشعبين التونسي والمصري ندعو إلى أن يكون يوم 20 مارس يوما عالميا للتضامن مع الشعب العربي والإفريقي حيث تعزّز الإنجازات نضالات كلّ الشعوب : مقاومة الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي والتعبئة الأوروبية والآسيوية والإفريقية ضدّ الديون والتكييف الهيكلي وكلّ مسارات التغيير الحاصلة في أمريكا اللاتينية.
  • ندعو أيضا إلى أن يكون يوم 12 أكتوبر يوما عالميا للنضال ضدّ الراسمالية وأن يكون ذلك النضال بكلّ الطرق الممكنة معبّرين عن رفضنا لنظام هو بصدد تدمير كلّ شيء في طريقه.
    الحركات الاجتماعية في كلّ العالم.. لنتقدّم نحو الوحدة الاجمالية لدحر النظام الرأسمالي. سننتـــــــــــصر
    ترجمة : مختار بن حفصة
    Raid attac/Cadtm Tunisie

mercredi 9 février 2011

ديكتاتورية ابن علي وديكتاتورية رأس المال العالمي

 لعلّ ما يلفت الانتباه بعد نجاح الثورة في إجبار الدكتاتور على الفرار هو انشغال التونسيات والتونسيين بالشأن السياسي سواء أكان ذلك في فضاءات الاحزاب السياسية أو في مختلف وسائل الإعلام ومؤسسات العمل أو في الشوارع والساحات العامة. واللافت كذلك أنّ مجمل هذه النقاشات والآراء تتعلّق بالبعد الديمقراطي لمطالب الثورة ونادرا ما نسمع تشخيصا واقترحات تتعلّق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي العام ما عدا مطالب اجتماعية جزئية لمختلف القطاعات (الحقوق الاجتماعية، الأجور، اشكال العمل الهشّ...) وهي وإن كانت مطالب مشروعة وشكل من اشكال استمرار الثورة غير أنّها لم ترق إلى وضع النظام الاقتصادي والاجتماعي برمّته موضع تساؤل. وإذا كان الجميع في تونس اليوم يتحدّث عن حكم ابن علي البلاد بالبوليس والإعلام والمسخ السياسي ممثّلا في حزب التجمّع فمن النادر كذلك أن نسمع عن دور المؤسسات المالية الدولية وحكومات الشمال الغنيّة في ثبات هذا الحكم الديكتاتوري طيلة 23 سنة ومساندتها له باستمرار ويكفي في هذا السياق أن نعود إلى تقارير صندوق النقد الدولي والبنك العالمي أو تصريحات جاك شيراك وسيلفيو برلسكوني على سبيل المثال.
اعتقد أنّه لا يجب أن يغيب عن أذهننا أنّ الثورة التونسية هي ثورة اجتماعية كذلك إضافة إلى بعدها الديمقراطي. بل هي كذلك في منطلقها ثم اتّخذت فيما بعد بعدا معمّما وصل المسألة الاجتماعية بالمطلب الديمقراطي. فهي إذن ثورة على النتائج الاجتماعية للمنوال الاقتصادي والاجتماعي الذي اعتمده ابن علي وحكومته منذ انقلاب 1987 وذلك بتبنّي برنامج التكييف الهيكلي الذي كان قد بدأ العمل به سنة واحدة قبل وصوله إلى الحكم ثم جاءت السياسات اللليبرالية تباعا : الانخراط في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للتجارة والانخراط الكلي في العولمة الرأسمالية عملا بتوصيات مختلف مؤسساتها (الخصخصة، رفع الحواجز الجمركية، ارتفاع حجم الضرائب على البضائع والخدمات في السوق الداخلية.الاستثمار الإجنبي ...الخ) هذا إضافة إلى اعتماد التداين كاستراتيجة أساسية في النظام الاقتصادي. تمّ كلّ ذلك في غياب تامّ للحريات السياسية . بل لا يغيب عن الملاحظ أنّه كلّما تمّ التقدّم في مسار الليبرالية الاقتصادية والفساد ازدادت وتيرة القمع. ويمكن اختزال مرحلة حكم بن علي في كونه : فسح المجال للرأسمال ولعائلته ومحيطه للاستيلاء على مقدّرات الشعب التونسي وتعزيز قوى البوليس لمراقبة المجتمع وقمع كل نهوض سياسي واجتماعي فيه.
ويكفي أن نورد بعض المؤشرات في هذا النص القصير حتى نتبيّن إلى أيّ مدى كان ابن علي مدعوما من ديكتاتورية أشمل هي ديكتاتورية السوق ممثلة في مؤسساتها السياسية والمالية المذكورة أعلاه.
لقد صرّح السيّد دومنيك شتروس كان، مدير صندوق النقد الدولي إثر تكريم بن علي له بوسام الجمهورية في 18 نوفمبر 2008 قائلا : la Tunisie est saine ثمّ اضاف :  le jugement du FMI à l’égard de la Tunisie est très positif  دون أن يشير أو حتّى يلمّح إلى القمع المعمّ الذي كان من علّق له ذلك الوسام يمارسه على الشعب التونسي. امّا وكالة التشجيع على الاستثمار الخارجي (FIPA) فقد كانت وثائقها تعلن صراحة عن تقديم امتيازات مالية وجبائية وعقارية هامة للرأس المال الأجنبي كالإعفاء التامّ من الأداء على أرباح الصادرات طيلة 10 سنوات والحقّ في إعادة توطين الارباح ..الخ. وقد أبرمت حكومة ابن علي برئاسة الغنوشي ما يقارب 50 اتفاقية حماية الاستثمار أغلبها مع بلدان الثالوث الغنيّ. وقد صرّح روبارتو زيكاتو، رئيس نقابة الأعراف بمقاطعة فيتشنزا الايطالية :la Tunisie offre l’un des meilleurs environnements pour faire des affaires . مع العلم أنّ ثلثيْ صادرات الصناعة من تونس هي ليست تونسية وإنّما تابعة لشركات أجنبية..ويكفي أن نشير إلى انتصاب حوالي 1250 مؤسسة فرنسية في تونس وبلوغ حجم الاستثمار الفرنسي سنة 2008 ما قيمته 280 مليون أورو لنفهم موقف الحكومة الفرنسية من ثورة الكرامة وسعي وزيرة خارجيتها على مساعدة ابن علي بوسائل القمع لوأد الثورة في المهد.
كما مثّل الدين الخارجي أحد أبرز طرق ترحيل الثروة من تونس نحو المركز منذ أمد بعيد. ويمكن للأرقام وحدها أن تشير إلى أيّ مدى كانت ديكتاتورية ابن علي في خدمة الرأسمال العالمي بدلا من خدمة التونسيين. لقد ارتفع حجم الدين الخارجي العمومي إلى 14،4 مليار دولار سنة 2009 بعد أن كان3،21 مليار دولار سنة 1970. وقد مثّل التحويل الصافي (الفارق بين ما يقترض وما يتمّ تسديده من مبالغ) في نفس الفترة2،47 مليار دولار.
يمثّل الدين الخارجي عبئا ثقيلا على كاهل الشعب التونسي وهو عائق مهمّ لكلّ تنمية تضمن العيش الكريم للجميع. بل إنّه في صورة من صوره لا يعدو إلاّ أن يكون ترحيلا للثروة، التي يكدّ من أجلها التونسيون، إلى المركز. ويمكن استعارة أمثولة القط الذي يلعق السكين للتعبير عن النزيف الخطير الذي تمثّله آلية الدين باعتبار أنّ الدولة كانت مضطرّة إلى الانخراط في سيرورة جديدة من التداين لتسديد الديون القديمة.
إنّ قادة الحكومات الأوروبية انخرطوا جميعا في لعن الديكتاتورية بعد فرار ابن علي وهم الذين لم يبخلوا عليه سابقا بشهادات الإطراء والتمجيد مدّعين أنهم لا يقدمون دروسا لأحد عندما يسألون عن الديمقراطية، إنّهم بذلك لا يتعاطفون مع الشعب التونسي كما يزعمون بقدر ما يسعون إلى ضمان عدم مساس الثورة بالنظام الاقتصادي وما تشبّث الوزير الأوّل ووزير التعاون الدولي ووزير الصناعة بمواقعهم إلاّ دليل على أنّهم الضمان الاساسي لتحقيق هذا الهدف.وقد كانوا مهندسي (أو متمّمي) برامج الخصخصة والسياسة الاقتصادية الليبرالية، دون أن ننسى تخلّي السيد النابلي عن مسؤوليته الرفيعة في البنك الدولي وتعيينه محافظا للبنك المركزي. وقد كان التركيز على فساد ابن علي وعائلته المدخل الرئيسي في هذه الحملة الساعية إلى سدّ الطريق أمام الثورة حتّى لا تعصف بالسياسة الاقتصادية المتّبعة. إنّهم بذلك يريدون القول إنّ الفساد في الاشخاص وليس في النظام.
إنّ استمرار الثورة ونجاحها يستوجب إذن وضع المسألة الاقتصادية والاجتماعية ضمن جدول الأعمال. ويمكن في هذا الاطار اقتراح مطالب عاجلة من قبيل إلغاء الديون الخارجية المبرمة في عهد ابن علي باعتبارها ديونا كريهة (dette odieuse) استنادا إلى القانون الدولي الذي يتيح للشعوب المتحررة من الديكتاتوريات أن تلغي ديونها الخارجية. والاستناد كذلك إلى تجارب مماثلة تم فيها هذا التوقف عن التسديد ولعل آخرها ما اقدمت عليه الحكومة الارجنتينية إثر انتفاضة الطناجر سنة 2001 حين استغلّت المبالغ المخصصة للتسديد في الاستثمارات العمومية دون ان تكون بحاجة إلى المزيد من الاقتراض. إنّ مثل هذا المطلب أبعد ما يكون عن الخيال ويكفي أن نضيف إلى الحجة القانونية والتاريخية شروع أحرار العالم في النضال من أجل ذلك تعبيرا منهم عن مساندة صادقة للثورة التونسية من ذلك ما قامت به السيّدة أولغن زيهن، السناتور عن الحزب الاشتراكي البلجيكي، حيث طلب من حكومة بلادها إلغاء الديون الثنائية الأطراف. كما طلبت من حكومة بلادها رفع دعوى قضائية من اجل إلغاء الدين الخارجي لتونس الذي يجمعها بالمؤسسات المتعددة الأطراف.
ملاحظة : اعتمد هذا المقال على بعض المعطيات والأرقام المنشورة على موقع اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث
مختار بن حفصة

1985-2005 عشريتان من العواصف النيوليبرالية

هذا النص مساهمة من جمعية راد-أتاك تونس في ندوة " الاستعمار الاقتصادي الجديد في جنوب المتوسط : التكييف الهيكلي والاستثمار الأجنبي المباشر والشراكة الاورومتوسطية " والمنعقدة في إطار فعاليات المنتدى الاجتماعي المتوسطي الأول (برشلونة 16-19 جوان 2005) وكانت هذه الندوة من تنظيم راد-أتاك تونس والمرصد الإسباني حول الدين في العولمة واللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث ببلجيكا وأتاك المغرب (أغادير)

شهدت البلاد التونسية بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود من الاستقلال أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، إذ وجدت الدولة نفسها على حافة الإفلاس. إنّ هذه الأزمة إضافة إلى تبني سياسة " نصف ليبرالية" أثناء عقد السبعينات مثّلت الإطار المناسب لتدخّل المؤسسات المالية الدولية التي وضعت في ذلك الإطار التاريخي إستراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة لإعادة هيكلة عموم بلدان المحيط وتتمثّل هذه الاستراتيجية في برامج التكييف الهيكلي.
وتحت ضغط الأزمة المذكورة أعلاه تبنت الحكومة سياسة التكييف الهيكلي سنة 1986 لتتعزّز السياسات النيوليبرالية بعد ذلك بالتوقيع على اتفاقيات الغات والانخراط في المنظمة العالمية للتجارة ومسار برشلونة إذ كانت تونس من أول البلدان (1995) الموقعة على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وهكذا لم تكن إجراءات التكييف المملاة من المؤسسات المالية الدولية مجرد إجراءات وقتية أو تقنية للخروج من الأزمة بل تحولت إلى استراتيجية اقتصادية واجتماعية تؤمّن هيمنة المراكز الرأسمالية على البلاد التونسية وتحافظ على الهيمنة وترحيل الثروات. وبذلك تعيد هذه المؤسسات والاتحاد الأوروبي صياغة آليات هذه الهيمنة والتبعية وهو ما كان له عواقب اجتماعية وخيمة على الشعب التونسي الذي لم يخسر ما يقارب نصف قرن من التنمية والازدهار المفقودين فقط بل تعمل هذه الإستراتيجية على ارتهان حاضره ومستقبله إليها.
وسنقتصر هنا على آليتين من الآليات التي تقوم عليها السياسة النيوليبرالية طيلة عشريتين وهما الخصخصة والاستثمار الأجنبي.
الخصخصة : المؤسسات العمومية ذخيرة لتخفيف حدة التوترات المالية وضمان لمراكمة أرباح الرأسمال الخاص
لئن كانت الخصخصة من بين الإجراءات الرئيسية التي أكّد عليها برنامج التكييف واتفاق الشراكة المتناغم مع قواعد المنظمة العالمية للتجارة فإنّ الدعاية الرسمية برّرتها بفشل القطاع العام وانعدام نجاعته ومردوديته، وعجز الدولة عن إصلاحه نظرا للكلفة المالية الباهظة التي يتطلبها ذلك ثم إنّ هذا الإصلاح، حسب الخطاب الرسمي دائما عملية عبثية في ظل هيمنة منطق المنافسة والتحرير على الاقتصاد العالمي. لكنّ ما لا يطرحه هذا الخطاب هو ما هي الأسباب التي جعلت المؤسسات العمومية تؤول إلى هذا المصير؟ ومن المسؤول عن الإفلاس؟ وما هو موقف التونسيين والتونسيات من الخصخصة باعتبارها حلا؟ وإذا كانت حدّة التوترات المالية عاملا دافعا نحو خصخصة القطاع العام فما الأسباب الحقيقية التي أفضت إلى ذلك خارجيا (ثقل عبء الدين الخارجي...) وداخليا (الفساد المالي وسوء الإدارة...).
بدأت الخصخصة سنة 1987 في إطار برنامج التكييف الهيكلي لكنّ نسقها ارتفع سواء من حيث عدد المؤسسات أو حجم المداخيل، إثر بداية تنفيذ اتفاق الشراكة.
لقد تمّ منذ 1987 إلى حدود 28 فيفري2005 خصخصة 1 185 مؤسسة عمومية 2 بمبلغ وصل إلى 2385 م.د.ت. وعندما نضيف عدد المؤسسات التي تم التفويت فيها إلى تلك المبرمجة والتي صدر في شأنها طلب عروض فإنّنا نتبين أنّ الأولية أصبحت لرأس المال الخاص الذي بسط سيطرته على النشاط الاقتصادي العام في مقابل التراجع التدريجي للاستثمارات العمومية. فنجد أنّ ما يقارب نصف المؤسسات العمومية (45%) قد تلاشت تماما أو تم تحويلها إلى القطاع الخاص في حين فُتح رأس مال المؤسسات الأخرى أمام القطاع الخاص وهي خطوة أولى في اتجاه التفريط فيها نهائيا.
وعند نظرنا في حصيلة 18 سنة من الخصخصة نجد أنّها شملت مختلف قطاعات الاقتصاد وخصوصا قطاعي الصناعة والخدمات (94.1%) أمّا القطاع الفلاحي فالنسبة ضئيلة جدا لا لأنّ الدولة لم ترغب في التفويت فيه وإنّما لأنّ الفلاحة لم تصبح رهانا إلاّ بعد 2001 (البروتوكول الفلاحي الثاني).
ما هي حصة رأس المال الأجنبي في مختلف عمليات الخصخصة؟
حسب وزارة التنمية الاقتصادية تمثل حصة الرأسمال الأجنبي من مداخيل الخصخصة فيما بين 1987إلى 28-فيفري 2005 ما قيمته 1770م د ت وهو ما يساوى 74% من مجموع المداخيل. أمّا إذ اقتصر الأمر على المؤسسات التي تجاوز سعرها 10 م د ت فإنّ حصة الرأسمال الأجنبي ترتفع إلى 95 % 3!.
يحتل الرأسمال الأوروبي مرتبة الصدارة بحوالي %43 من مداخيل الخصخصة. ثم نجد بعد ذلك المستثمرين العرب وخصوصا المصريين والليبيين والكويتيين بما قيمته ثلث المداخيل تقريبا.
وتميزت السنوات الأخيرة بتطور ملحوظ للرأسمال الأوروبي وخاصة البرتغالي والإسباني والفرنسي والايطالي حيث حصلت شركةSECIL البرتغالية على مصنع الإسمنت بقابس (311100 م.د.ت) وشركة CIMPOR (البرتغال)على إسمنت جبل الوسط (241330 م د ت). واقتنت الشركة الإسبانية UNILAND شركة إسمنت النفيضة (168000م-د-ت) والشركة الإيطالية COLACEM. مصنع الإسمنت الصناعي التونسي (50500م.د.ت) واقتنت شركة ERNAX.السويسرية شركة المرافق في الصحراء (2233 م.د.ت) وشركة WEITNAWER السويسرية كذلك على الأسواق الحرة بالمطارات التونسية (24744م.د.ت).أما في القطاع البنكي فقد حصل البنك الفرنسي société général.على الاتحاد الدولي للبنوك (102721 م.د.ت)...
إضافة إلى تغلغل الرأسمال الأجنبي في تونس بنسق ما فتئ يرتفع معوضا التزامات الدولة في البنى التحتية والخدمات ... فإنّ اللافت للانتباه كذلك هو التطور السريع للزمات سواء من حيث عدد المشاريع التي هي بصدد الإنجاز أو المبرمجة أو من حيث تعدد القطاعات الاقتصادية المعنية وهو خيار التجأت إليه الدولة فيما يبدو، بغية تأمين موارد مالية هامة خاصة بعد تفكيك الحواجز الجمركية وانخفاض المعاليم الديوانية وبداية انسحابها من الاستثمارات العمومية. وقد استأثر المستثمرون الأجانب بعدد كبير منها وفي قطاعات متنوعة (مطار النفيضة، اللزمة الممنوحة إلى الشركة الفرنسية CEGELEC لبناء مولد كهربائي بمنطقة سوسة، اللزمة الممنوحة إلى شركة أمريكية –يابانية لبناء مولد كهربائي جنوب العاصمة...الخ).
إنّ متابعتنا لما يقارب العشريتين من الخصخصة جعلتنا نقف على آفات خطيرة اقترنت بها وجعلتنا نتأكد من أنّ الديكتاتورية الساسية وقمع التعبير الحر هو أداة لفرض الليبرالية الجديدة على بلادنا. فمن هو الذي يقرر ويرسم هذه السياسة؟ ما هي القرارات التي يجب اتخاذها؟ ما هي أهداف الخصخصة؟ من يضبط هذه الأهداف؟ بأيّ وجه حق تسمح مجموعة صغيرة في السلطة بتقرير مصير ما كدّ من أجله أجيال متعاقبة؟ من يراقب العملية من أولها إلى آخرها؟ لماذا لا نجد تقييما ديموقراطيا لما يقارب العشريتين من الخصخصة؟ ثم لماذا تتمادى السلطة في هذا النزيف ولم تعدل قيد أنملة عن هذا المسار أو حتى تقييمه بعد شوط طويل من الخصخصة مكلف اجتماعيا؟ وإذا كانت المداخيل المتأتية من رأس المال الأجنبي لم تتجاوز 1770 م د ت بعد أكثر من 15 سنة من الخصخصة أي ما يعادل تقريبا ¾ خدمة الدين لسنة 2002 فقط أفلا يكفي ذلك حتّى تكون حجّة دافعة إلى مراجعة هذه السياسة أو استنفار عموم التونسيين بخبرائهم ومنظماتهم للتداول في المسألة؟
الاستثمار الخارجي : نصير للتنمية أم تأبيد للتبعية؟
لا يقل حماس الخطاب الرسمي في حديثه عن الاستثماري الأجنبي المباشر عن الخصخصة. فهو الرافعة التي ستسهم في ارتفاع نسب النمو وتحقيق تعصير النسيج الاقتصادي التونسي وتقدمه. وكثيرا ما يروّج هذا الخطاب أنّ الرؤية الثاقبة للسلطة هي التي انتبهت إلى ضرورة التضحية بكلّ شيء في سبيل ضمان قدوم المستثمرين الأجانب والسعي إلى تطوير نسب الاستثمار من سنة إلى أخرى.
وفي سعيها إلى تحويل تلك الرؤية إلى واقع ملموس منحت الحكومة التونسية للاستثمار الأجنبي العديد من الضمانات الاقتصادية والاجتماعية وحماية قانونية وسياسية نصّ عليها قانون الاستثمار الصادر سنة 1993 إضافة إلى 48 ااتفاقية ثنائية لحماية الاستثمار نصفها تقريبا مع دول الثالوث الأغنى ( الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي، اليابان ).
إنّ هذه الحوافز جعلت الرأسمال الأجنبي يتغلغل في الاقتصاد التونسي بدرجة هامة متخيرا الأنشطة التي تدرّ أرباحا عالية فعلى 5468 مؤسسة من النسيج الصناعي التونسي نجد أنّ 1744 مؤسسة يساهم فيها الرأسمال الأجنبي ونصفها (872 مؤسسة) هي أجنبية كليا.
وعندما نلقي نظرة على بعض الأرقام في القطاع الصناعي ندرك إلى أيّ مدى أصبح هذا القطاع مرتهنا بالرأسمال الأجنبي وإلى أيّ مدى تصبح الشراكة التونسية الأوروبية هي كذلك حقا إذ هي إلى حد بعيد شراكة أوروبية – أوروبية. فالرأسمال الأجنبي يتواجد في نصف الشركات الصناعية و5/1 هذه الشركات هي أجنبية 100 %. 3/1 الشركات الصناعية المصدرة هي 100 % أجنبية.
وكما هو الأمر بالنسبة إلى الخصخصة فإنّ الرأسمال الأوروبي يستأثر بنصيب الأسد وتأتي فرنسا وإيطاليا في الصدارة.
عدد الشركات الصناعية التي يساهم فيها الرأسمال الأوروبي
729
فرنسا
428
إيطاليا
165
ألمانيا
153
بلجيكا
المصدر : www.tunisieindustrie.nat.tn
أما في القطاع الفلاحي فقد منح المستثمرون الأجانب العديد من المنح الحوافز والضمانات المالية والقانونية والجبائية من ذلك مثلا " طرح المداخيل أو الأرباح التي يقع إستثمارها وذلك في حدود 35 % من المداخيل أو الأرباح الصافية الخاضعة للضريبة." أو " لا يتطلب الاستثمار الأجنبي في الفلاحة ترخيص مسبق بل يتم التصريح به لدى مصالح وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية." ..(للاطلاع على قائمة هذه الامتيازات والضمانات انظر موقع وكالة النهوض بالفلاحة على العنوان التالي www.tunisie.com\APIA ).
إنّ السياسات الليبرالية الجديدة المتبعة في تونس طيلة العشريتين الأخيرتين جعلت من التكييف الهيكلي واتفاقية الشراكة والتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي أبرز الآليات التي أعادت بها أوروبا هيكلة الاقتصاد التونسي وفق مصالحها الخاصة. فكانت هذه الآليات بمثابة العواصف الرهيبة المدمرة لكلّ ما هو اجتماعي ولعل الاستبداد السياسي وقمع حرية التعبير والتنظم يسرت لهذا المشروع الأوروبي أن يستحوذ على مقدرات الشعب التونسي في ظلّ ضعف الحركات الاجتماعية والسياسية المقاومة لهذا الاستعمار الاقتصادي الجديد.
إنّ وضعا كهذا يدفعنا إلى مقارنة أوضاعنا اليوم ما كانت عليه الأوضاع في بلادنا في نهاية القرن التاسع عشر حين استفحلت أزمة الدين وشهدت البلاد أزمة اجتماعية شديدة الوطأة مكنت القوى الاستعمارية الأوروبية من وضع البلاد تحت وصايتها سواء في إطار الكومسيون المالي أو التدخل الفرنسي الاستعماري المباشر.
وحتى لا يكون مستقبلنا كماضينا وحاضرنا فإنّه بات من الضروري على كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وصل النضال من أجل الديمقراطية والحرية والاستقلال بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية وسدّ الطريق أمام الإمبريالية الأوروبية وغيرها الساعية إلى فرض المنوال النيوليبرالي الهادف إلى تأمين ترحيل الثروات إليها. وحتى نبني حركات سياسية واجتماعية متنوعة وقادرة على صدّ هذا التحالف بين السياسية الاستبدادية المحلية والهيمنة الاقتصادية الأوروبية فإنّنا نرى أنّه على هذه الحركات الانخراط الفاعل في حركات مناهضة العولمة الرأسمالية على المستوى الإقليمي (المغرب العربي- المنطقة العربية – ضفتا المتوسط) أو العالمي ولعلّ المشاركة الهامة للوفد التونسي في المنتدى الاجتماعي المتوسطى تمثّل مرحلة هامة تعزّز هذا التوجه.
مختار بن حفصة
راد أتاك تونس
1 ليست الخصخصة التفويت الكلي لرأس المال إلى القطاع الخاص فقط بل هي كذلك بيع وحدات إنتاجية مستقلة (خصخصة أو تصفية جزئية) والتصفية (تلاشي المؤسسة بعد بيع ممتلكاتها) أو فتح راس مال المؤسسة أمام القطاع الخاص وأخيرا اللزمة.

2 مصدرنا في كل الإحصائيات المتعلقة بالخصخصة هو موقع الانترنت www.tunisieinfo.com\privatisation

3 حسب إحصائيات سنة 2003