lundi 23 mai 2011

السياسة التعليمية الجديدة في تونس والاتفاق العام حول تجارة الخدمات.


لعلّ أبرز أطروحة يستند إليها الخطاب الليبرالي المهيمن عالميا ومحليا هي أنّ المنافسة وتحرير التجارة هما الطريقة الأفضل في النشاط الاقتصادي العام. ولذلك أخضعت كلّ مجالات الحياة الاقتصادية إلى المنافسة وإلى مسار تصاعدي من التحرير التجاري. ولم تكن الخدمات الاجتماعية مستثناة من ذلك إذ أخضعت هي الأخرى إلى منطق التسليع.
وبما أنّ دخول حلبة المنافسة على المستوى العالمي يستوجب عدّة وكفاءة لازمتين أولت الإيديولوجيا الليبرالية اهتمامها بالمدرسة جاعلة إيّاها مخبرا يضمن إنتاج اليد العاملة – الرأسمال البشري- التي تتوفر فيها الشروط الضرورية لحسن سير الاقتصاد وسوقا واسعة للاستثمار والتبادل تمكّن من مراكمة الأرباح.
إنّ هاتين السمتين لمدرسة اليوم و"الغد" هما اللّتان تفسّران ذلك التماثل الكبير بين الخطاب الاقتصادي الليبرالي والخطاب البيداغوجي والسياسي السائد حول المدرسة. وهذا التماثل هو الذي دفعنا إلى محاولة فهم الآليات التي يتمّ بها تحويل التعليم إلى سلعة وذلك من خلال البحث في الروابط الجامعة بين النظام التعليمي الجديد- الذي بدأ منذ 1998- الوارد تحت شعار " مدرسة الغد" وما أعّدته منظمة التجارة العالمية للمدرسة في إطار الاتفاق العام حول تجارة الخدمات.
ماذا عن منظمة التجارة العالمية والاتفاق العام حول تجارة الخدمات؟
بعثت منظمة التجارة العالمية إلى الوجود رسميا في 1 جانفي 1995 وذلك بعد إمضاء الدول المشاركة، ومن ضمنها تونس، على النص الختامي في ندوة مرّاكش في أفريل 1994 وتعتبر ندوة مراكش هذه اختتاما لمفاوضات دورة الاورغواي التي دامت ثماني سنوات في إطار الاتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة.(الغات).
وهكذا عوضت منظمة التجارة العالمية الغات لتصبح بذلك مؤسسة دولية تتوفّر على قانون أساسي مفصل ودقيق خلافا للغات الذي كان عبارة عن منتدى للتفاوض. ويعدّ تأسيس هذه المؤسسة الدولية العملاقة علامة على انتصار الأطروحة الليبرالية الساعية إلى تحرير التجارة على النطاق العالمي.
ولا يمكن لأي دولة ممضية على نص مراكش الختامي أن تعود إلى السياسة الحمائية أو أن تتبنى أي قانون من شأنه أن يمثّل حاجزا جمركيا يعيق حركة التبادل التجاري الحرّ. بل على العكس من ذلك فإنّ الإمضاء على هذا النص المؤسس للمنظمة يعني الالتزام بالتحرير المستمر للتجارة وتفكيك الحواجز الجمركية وذلك عن طريق مسار من المفاوضات ما يزال مستمرا. وإلاّ عوقب كل من يخالف ذلك بمثوله أمام هيئة التحكيم الموجودة صلب هذه المنظمة.
وقد تضمن اتفاق مراكش أربع اتفاقيات متعددة الأطراف هي : الاتفاق العام حول البضائع،الاتفاق العام حول تجارة الخدمات،الاتفاق العام حول حقوق الملكية الفكرية، الاتفاق المؤسس لمنظمة التجارة العالمية.
يندرج التعليم باعتباره خدمة ضمن الاتفاق العام لتجارة الخدمات وهو ما يستلزم تعريفا بهذا الاتفاق قبل تبيّن الصلات الموجودة بينه وبين النظام التعليمي الجديد.
إنّ الاتفاق العام حول تجارة الخدمات هو مجموعة الاتفاقيات المتعددة الأطراف المتعلّقة بتحرير تجارة الخدمات المختلفة وقد تم التفاوض بشأنه في دورة الاورغواي واتفق عليه في ندوة مراكش المذكورة آنفا. ويمكن اعتباره اتفاقا إطاريا عاما يتحقّق في إطاره مسار مفتوح وذو نسق متصاعد من التفاوض حول تحرير تجارة الخدمات. ولم يستثن هذا الاتفاق إلاّ الخدمات المتعلقة بسيادة الدولة وما به تمارس سلطتها أي الإدارة والبوليس والجيش والقضاء (البند الأول من الاتفاق) ويفصل البند الأول هذا الاستثناء بالقول إنّ ما يستثنى تحديدا هو : " الخدمة التي لا تقدّم على قاعدة تجارية أو في تنافس مع كلّ من يقدّمها " وبذلك تدخل تحت طائلة هذا الاتفاق مختلف الخدمات التي يمكن تصنيفها كما يلي
- خدمات اجتماعية كالصحة والتعليم...
- خدمات عمومية كالنقل والماء والكهرباء والبريد والاتصالات...
- خدمات متعلقة بالبضائع بعد إنتاجها (نقلها، توزيعها، إصلاحها وصيانتها...)
وهكذا إذن تغطى الخدمات عددا كبيرا من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية في كل بلد من البلدان وبذلك تبدو وظيفة المفاوضات الدائرة في صلب منظمة التجارة العالمية حول الخدمات إزاحة الدولة من مجال هذه الأنشطة ونقلها إلى القطاع الخاص. فهذا الاتفاق ليس قانونا ناجزا وتاما بل هو بداية المفاوضات ونقطة انطلاقها. ويمكن إجمال خطاب منظمة التجارة العالمية حول تحرير تجارة الخدمات في حجتين أساسيتين تتعلق الأولى بضرورة هذا التحرير وأهميته أمّا الثانية فوظيفتها بث الطمأنينة والردّ على كلّ المنتقدين للاتفاق أو المتخوّفين من تبعاته.
تقول الحجة الأولى إنّ لهذه الخدمات وللبنى التحتية الضرورية ثمن باهظ. فهي تمثل عبئا ماليا كبيرا ملقى على كاهل الدولة وهو ما قد يجعلها عائقا بارزا في طريق تحقيق الازدهار والتنمية واستنادا إلى ذلك تذهب منظمة التجارة العالمية، وهي في ذلك رافد للخطاب الليبرالي الدوغمائي السائد في المؤسسات الدولية الأخرى، -لاحظ توافق ذلك مع مخططات التكييف الهيكلي- إلى أنّ فتح هذه الخدمات أمام المنافسة وتحريرها هو وحده الكفيل بضمان هذه الخدمات بشكل ناجع وأن تكون ذات جودة عالية ويمنح للمستهلكين مجالا واسعا للاختيار ويضمن حصول الجميع عليها باعتبار أنّ المنافسة ستفضي إلى انخفاض الأسعار. كما لا يفوت منظمة التجارة العالمية في إطار هذا البناء الإيديولوجي التأكيد على أنّ إخضاع هذه الخدمات إلى المنافسة من شأنه أن يوفر عددا كبيرا من مواطن الشغل.
أمّا الحجّة الثانية فتزعم الردّ على النقد والاحتجاجات على هذا الاتفاق بالاستناد إلى ثلاثة مبادئ رئيسية : الأول هو أنّ الخدمات المتعلقة بسيادة الدولة مستثناة من الاتفاق والثاني هو أنّ الاتفاق يتيح للدول إمكانية استثناء بعض القطاعات وأنّ نسق التحرير تحدّده الدولة نفسها وبمحض إرادتها. أمّا المبدأ الثالث فهو يشير إلى إمكانية التراجع عن بعض الالتزامات ولكن يستوجب ذلك الامتثال إلى بعض الشروط التي يضبطها الاتفاق.
وهكذا يكون الاتفاق العام حول تجارة الخدمات، دون أيّ لبس، اتفاقا شاملا للتعليم ذلك لأنّ التعليم في أغلب بلدان العالم خدمة لا تقتصر الدولة على توفيرها بل إنّ القطاع الخاص يشاركها في ذلك وهو ما ينطبق على تونس منذ سنوات عديدة. وبناء على ذلك يكون خدمة ذات قاعدة تجارية وقابلا للمنافسة وهو ما يستوجب خضوعه إلى كلّ الاتفاقيات المتعددة الأطراف الحاصلة في إطار التفاوض في صلب الاتفاق العام حول تجارة الخدمات وهو ما يعني تهافت الحجتين اللتين تستند إليهما منظمة التجارة العالمية.
نظام التعليم الجديد في تونس وعلاقته بالاتفاق العام حول تجارة الخدمات
سنركّز في بحثنا عن مدى ملائمة هذا النظام التعليمي للاتفاق العام حول تجارة الخدمات على قانون عدد 80 الصادر في 23 جويلية 2002 والوارد تحت عنوان " القانون التوجيهي للتربية والتعليم " وذلك باعتباره نصا قانونيا مفصلا وملزما. ولكنّه في الحقيقة ما هو إلاّ تتويج لكلّ مراحل بناء مشروع مدرسة الغد الذي انطلق منذ بداية جانفي 1998 والذي عبّرت عنه مختلف الوثائق الصادرة عن وزارة التربية (الوثيقة المرجعية لمدرسة الغد وغيرها من الوثائق والمنشورات الأخرى).
ورد في تصدير الوثيقة المرجعية لمدرسة الغد إشارة إلى خطاب رئيس الدولة كان قد ألقاه في 15 جويلية 1995 بمناسبة يوم العلم مفادها أنّ " من أهمّ ما يميّز تمشّينا منذ التغيير أنّنا نفضّل ضبط الميعاد على الصدفة والتنظيم على الارتجال وإعداد العدّة على الانتظار". ولا نعتقد أنّ تصدير النصّ المؤسس لمنظومة تربوية جديدة بهذا القول أمرا اعتباطيا. فالأمر، فيما يخصّ التعليم، يتعلّق فعلا بـ "ضبط الميعاد وإعداد العدّة" ذلك أنّ شهر جويلية 1995 لم يرد متأخّرا كثيرا عن شهر جانفي 1995! وهو تاريخ إنشاء منظمة التجارة العالمية. ولا نعتقد أنّ حكومة تكون دولتها عضوا في هذه المنظمة منذ تأسيسها تتأخّر كثيرا عن إعداد العدّة لملائمة مختلف القطاعات لقوانين هذه المنظمة التي أمضت عليها ومن ضمنها طبعا قطاع التعليم في مختلف مراحله.
كما ورد في نفس الوثيقة المرجعية إشارة أخرى تفيد أنّه " قد تشكّلت في بداية جانفي 1998 لجنة موسّعة تضمّ 50 عضوا يمثّلون مختلف الوزارات والهيئات التي لها صلة بقطاع التربية والتكوين".1 وتبدو هذه الإشارة بدورها ذات دلالة ذلك أنّ الفصل التاسع عشر من الاتفاق العام حول تجارة الخدمات يؤكّد عـلى أنّ " الأعضاء سيلتزمون بسلسلة من المفاوضات المتتابعة والتي تبتدئ كآخر أجل خمس سنوات (السطر من وضعنا) بعد دخول الاتفاق حول منظمة التجارة العالمية حيّز التنفيذ ". وهكذا تكون الحكومة التونسية ملتزمة بهذا الأجل إذ بعد ثلاثة أعوام من الإمضاء على اتفاق مراكش بدأ الإعداد للمنوال التعليمي الجديد الذي يراعي ما ورد في الاتفاق العام حول تجارة الخدمات الذي أمضي سنة 1995. ثمّ إنّ الحكومة تركت حيّزا زمنيا هامّا يقدّر بسنتين لإجراء ما تسمّيه استشارة وطنية حول التعليم وهي مدّة كافية للإيهام بأنّه إبداع تونسي خالص شارك كلّ المعنيين بالشأن التربوي في صياغته. وما إن انتهي أجل السنوات الخمس الذي أكدت عليه أحد فصول الاتفاق العام حول تجارة الخدمات حتّى وجدت الحكومة نفسها قد حقّقت هدفين دفعة واحدة : الإيفاء بالتزاماتها الدولية من جهة والإيهام بأنّ مشروع إصلاح التعليم مشروع وطني شاركت كلّ الأطراف المعنية في صياغته وبذلك نفهم لماذا صدرت الوثيقة الأولى الضابطة للخطوط العريضة للسياسة التعليمية سنة 2000 (الاستشارة الوطنية حول مدرسة الغد – الوثيقة المرجعية، أكتوبر 2000 ) فلا يذهب بنا الظنّ أنّها استعداد محليّ لدخول قرن جديد، بل هي بكلّ بساطة سنة ينتهي فيها الأجل المتفق عليه في مراكش سنة 1995 الذي يدشّن فيه الرأسمال العالمي القرن الجديد بتوسيع دائرة التبادل الحر بشكل غير مسبوق.
تبدو العلاقة جليّة بين تاريخ ظهور هذا المشروع الجديد للمدرسة التونسية المسمّى بـ"مدرسة الغد" وتاريخ إنشاء منظمة التجارة العالمية والإمضاء على الاتفاق العام لتجارة الخدمات. إنّ تاريخيْ 1995 - 2000 يشيران إلى ضرورة التزام الحكومات بما يتمخض عن مسار المفاوضات المتعلقة بتحرير تجارة الخدمات وإلى تحوّل "مدرسة الغد" من مشروع إلى إنجاز وإجراء إذ فليس إصدار أوّل وثيقة عنه سنة 2000 محض صدفة أو أنّ الاستشارة الوطنية أخذت حقا الوقت الكافي للنقاش والتفكير والتعديل. وهناك معطى آخر يمكننا أن نفسّر به ظهور هذه السياسة التعليمية الجديدة في ذلك التاريخ تحديدا (1995-2000 إعدادا وبعد ذلك تطبيقا) وهو أنّه تاريخ يتوافق مع توقيع تونس على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي يمثّل التبادل الحر جوهرها وبذلك تصبح الإيديولوجيا الليبرالية مهيمنة محليا وإقليميا وعالميا لتعكس بذلك اكتساح السوق كافّة أرجاء المعمورة وجميع مجالات الحياة. هكذا نفهم العلاقة بين بروز منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التبادل الحر في مختلف أنحاء العالم.
هذا فيما يخصّ الإطار التاريخي الذي ظهر فيه المشروع الجديد للمدرسة التونسية فماذا عن مدى تطابقه مع مبادئ الاتفاق العام حول تجارة الخدمات؟
إنّ قارئ هذا القانون يقف على المرونة الكبيرة التي وردت عليها مختلف فصوله، فكثيرا ما نجد الفصل القانوني لا يبتّ في موضوع اهتمامه بتّا تامّا أو يضبطه ضبطا نهائيا. وتكثر في هذه الفصول الصيغ اللّغوية الدّالة على الإمكان والتغير من قبيل " التكيف مع المتغيرات "2 و" يمكن للأشخاص الطبيعيين والمعنويين إحداث مؤسسات تربوية خاصّة.."3 و" يمكن إعداد مؤسسات تعليمية خاصة تعتمد برامج وتنظيمات خصوصية..."4 هذا إضافة إلى ما ورد في مقدمة القانون من حديث عن " التحولات الجوهرية التي تشهدها المدرسة اليوم واعتبارا لمتطلبات المستقبل التي ستغيّر دعائم التكوين ومكونات الفعل التربوي وقواعد سير المؤسسة التربوية أصبح تطوير الإطار القانوني المنظم للتربية والتعليم ضرورة حتى يتّسع لهذه المتغيرات ويوفّر المرونة اللازمة لمسايرة إيقاع التحوّلات الداخلية والعالمية"5.(السطور من وضعنا) أو كذلك عبارة " تضبط بقرار من الوزير المكلّف بالتربية والتعليم" والمتواترة في العديد من فصول القانون السبعين.
إنّ هذه المرونة التي بني عليها النصّ القانوني كثيرا ما يروّج استنادا إليها لمسألة التجدّد المستمرّ لمكونات المنظومة التربوية ومواكبة العصر وأهمية الاستشراف والتطلع إلى المستقبل إلى غير ذلك من الكلام المنمّق الذي أعدّ للاستهلاك المحلّي والمترنّح بنشوة العقلانية والروح النقدية والفكر التاريخي دون أن يكون كذلك حقا... ولكنّ الهدف من ذلك هو في الحقيقة جعل المنظومة التربوية في مرونتها وانفتاحها ملاءمة لمرونة الاتفاق العام حول تجارة الخدمات باعتباره مسارا مفتوحا للتفاوض وتجديدا مستمرّا للصيغ القانونية المتعلقة بمختلف الخدمات بما فيها التعليم. فهذا الاتفاق ليس ناجزا ونهائيا كما ينص على ذلك فصله التاسع عشر ولذلك جاء القانون التونسي مراعيا لهذه الخاصية بحيث يمكنه أن يتضمّن كلّ ما قد يستجدّ من اتفاقيات ملزمة صادرة عن مسار التفاوض صلب منظمة التجارة العالمية فعندما نقرأ ما ورد في خاتمة مقدمة القانــــون " وخلاصة القول إنّ هذا القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي يمثّل إطارا تشريعيا مرنا يتّسع لكلّ التحوّلات التي تشهدها المدرسة اليوم ولتطوّراتها المستقبلية. " نتبيّن إلى أيّ مدى يستجيب القانون التونسي لبنود الاتفاق العام حول تجارة الخدمات.
ولقد أفرد للقطاع الخاص في القانون الجديد عنوان خاص به يتكوّن من سبعة فصول، إضافة إلى بعض الإشارات في الفصول والأبواب الأخرى من القانون كالفصل التاسع والعشرين الذي أورد: " ...إذ تجري الدراسة في المؤسسات العمومية والخاصّة.." أو في الفصل الثامن والثلاثين : " ويمكن للأشخاص الطبيعيين والمعنويين إحداث مؤسسات تربوية خاصة." فهي إشارات وفصول تنصّ كلّها على ضرورة فتح مجال التعليم أمام الخواص سواء أكان رأس مال محليّ أو أجنبي والتشريع لحقوقه قانونيا. ويشترط على الرأسمال الأجنبي الحصول على ترخيص من الوزارة المكلفة بالتربية، ولكنّنا نعتقد أنّ ذلك ليس أمرا صعبا بطبيعة الحال وهو ترخيص شأنه شأن كلّ التراخيص اليسيرة الممنوحة للرأسمال الأجنبي والقوانين الحامية لحقوقه (قانون الاستثمار) أمّا التراخيص الصعبة، بل المستحيلة، فهي تلك التي تطلبها- رغم أنّها حقّ لا يحتاج إلى طلب- الأحزاب والجمعيات التي لا تبحث عن الربح الخاص بل عن المصلحة الاجتماعية العامة المتمثّلة في جعل التعليم حقا مجانيا مضمونا للجميع وغير خاضع للمنافسة وذا جودة يتمتع به كل التونسيات والتونسيين. فالأسلم أن تسهر الدولة على ضمان حقوقهم لا أن تضمن حقوق رأس المال على حسابهم.
أمّا الفصل التاسع والثلاثين فينصّ على أنّه " على المؤسسات التربوية الخاصة أن تنتدب جزءا من المدرّسين للعمل بها كامل الوقت..." وهو ما يتلاءم مع حجة كهنة منظمة التجارة العالمية القائلة إنّ توفير مواطن الشغل منفعة من منافع تحرير تجارة الخدمات العمومية. ويكفينا في هذا السياق أن نشير إلى الارتفاع المهول لعدد المعطلين من خريجي الجامعة وخصوصا منذ بداية اتّباع هذه الساسية التعليمية التي تطوّع التعليم والتشغيل لمصالح الرأسمال العالمي ملغية كلّ اهتمام بهما باعتبارهما من الأوليات الاجتماعية ومن الركائز الأساسية لتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية.
إنّ هذه الإشارات تعني في نهاية المطاف جرّ التعليم العمومي إلى حلبة المنافسة. وهي منازلة ستنتهي بانتصار رأس المال بالضربة القاضية بما أنّها تجمع بين ملاكم تزيده الأرباح تعملقا وآخر جعلته سياسة التقشف والضغط على المصاريف العمومية الخاصة بالتعليم (وغيره) في وزن الريشة لا يقوى حتّى على الحركة!
وحتّى لا يكون حديثنا عن هذا الباب القانوني مجرّد لغو نشير إلى أنّه ورد في تلاؤم تام مع ما ورد في الاتفاق العام حول تجارة الخدمات، إذ ينصّ الفصل السادس (الفقرة الرابعة) من الاتفاق العام حول تجارة الخدمات على أنّ " التشريعات والإجراءات القانونية والإدارية للسلطات المركزية والجهوية والمحلية للدول لا يمكنها أن تكون متشدّدة أكثر من اللازم حتّى لا تكون عقبات غير ضرورية أمام تجارة الخدمات". ثمّ إنّ اتفاق منظمة التجارة العالمية هذا يؤكّد بوضوح على إلزامية مبدأ " المعاملة بالمثل" ما أن يقع الاتفاق على تحرير تجارة خدمة من الخدمات. ولا يؤكد هذا المبدأ على المعاملة بالمثل بين الرأسمال الأجنبي والرأسمال المحلي فقط، وإنّما بينه وبين الدولة أيضا ما دامت هي أيضا توفر هذه الخدمة. إنّه وجه آخر من وجوه تلك المنازلة اللامعقولة التي تحدّثنا عنها آنفا.
هناك مسألة أخرى يؤكد عيها القانون قد تبدو إلى الناظر إليها من أول وهلة أنّه لا يراد منه خوصصة التعليم تماما بل إنّه سيستمر قطاعا عموميا كذلك فالفصل التاسع والعشرون يقول : تجري الدراسة في المؤسسات العمومية والخاصة التالية : مؤسسات وفضاءات تعنى بالتربية قبل المدرسية، مدارس ابتدائية، مدارس إعدادية، معاهد، مدارس نموذجية، مدارس افتراضية ". ويرد بالفصل الرابع " تضمن الدولة حقّ التعليم مجانا بالمؤسسات التربوية العمومية لكلّ من هم في سنّ الدراسة..."
إنّ الأمر لا يتعلّق إذن بتخلّي الدولة تماما عن التعليم وإنّما فتح المجال أمام القطاع الخاص ولكن دون أيّ حماية بل يدفع بهما إلى المنافسة فيصبح هناك نمطان من التعليم : أوّل عمومي ضعيف وغير قادر على المنافسة بسبب ضعف المبالغ المرصودة له ومخصص للفقراء وآخر خاص يستثمر أموالا كبيرة ولا يمكن أن يتاح إلاّ للأغنياء. بل إنّ النمط الأول يحتاج إلى أن توفّر الأسر مبالغ هامة من مداخيلها (الأدوات الحديثة والمتطورة، السكن الجامعي، الدروس الخصوصية، النقل...الخ). هذا هو بالضبط مدلول الحجة الواردة في خطاب منظمة التجارة العالمية القائلة أنّ تحرير خدمة مّا ليس إلزاميا فعدم الإلزام عندهم لا يعني شيئا آخر عدا التعايش بين القطاع الخاص والعمومي في تقديم خدمة التعليم مثلا لكن بشروط المنافسة التي أكدت عليها مختلف فصولها والتي تطرقنا إلى بعضها في الفقرات السالفة واستعرنا لها صورة حلبة الملاكمة.
إنّ الأمر يتعلق بتسليع التعليم أيْ أنّه بسبب هذا القانون، سيصبح سلعة مثل سائر السلع ولكنّه لم يعد "مجانيا" تماما كما أشار إلى ذلك الفصل الرابع المذكور أعلاه. فالدولة العضو في منظمة التجارة العالمية لم يعد بمقدورها، بعد المفاوضات أن ترصد مبالغ مالية هامة لفائدة التعليم العمومي وذلك لسببين أثنين : إجراءات التكييف الهيكلي تملي عليها التقشّف في المصاريف العمومية وقوانين منظمة التجارة العالمية تفرض عليها مبدأ "المعاملة بالمثل".
جاء في الفصل 47 "... كما تضمّ الأسرة التربوية الأولياء والتلاميذ والجمعيات ذات العلاقة من خلال ممثّليهم بمجالس المؤسسات التربوية."
أي أنّ التسيير لا يهمّ المجلس البيداغوجي فقط وإنّما مجلس المؤسسة كذلك أي القطاع الخاص الذي يمكنه أن ينضم إلى المجلس فيموّل ويسيّر المؤسسة وهو صورة أخرى من صور التساوق بين السياسة التعليمية المحلية والسياسة العالمية لتجارة الخدمات فالجميع، محليا وعالميا يعمل لهدف واحد : التحرير الكامل للتجارة والمتجارة بكلّ شيء. إنّها صياغة جديدة لعقيدة قديمة : دعه يعمل دعه يمرّ! فلا حواجز جمركية ولا قوانين تحمي بعض القطاعات الحيوية أو تضمن احتكار الدولة لها.
أمّا الفصل الـ66 المتعلق بالبحث والتجديد في المجال التربوي فأورد : "يمثل البحث عاملا أساسيا في تحسين جودة العملية التربوية والارتقاء بمردود المدرسة وتأهيلها المطّرد تجسيما للأهداف المنشودة ومع اعتبار المعايير الدولية في المجال..."
وهو قول لم يقع التنصيص فيه على المرجعية البيداغوجية والعلمية لـ "المعايير الدولية " ولا نعتقد أنّ ذلك كان سهوا بل قصدا....ثم إنّ الفصل الموالي (67) يضبط مجالات البحث متجاوزا ما هو بيداغوجي ومنهجي إلى " استشراف التحولات في مجال التربية والتعليم" دون التأكيد على التحولات في المعارف البيداغوجية وإلى "التعرّف على المستجدات العالمية والاستفادة منها " أفلا تكون هذه المستجدات شاملة للاتفاقيات المتعددة الأطراف الجديدة التي قد يتوصل في مسار التفاوض المفتوح حول تجارة الخدمات؟
إنّ القانون التوجيهي للتربية والتعليم ومختلف النصوص الأخرى المؤسسة للسياسة التعليمية الجديدة يؤكّد إذن على ضرورة الاستفادة من المنظمات الدولية بنفس القدر الذي يؤكد فيه على المرجعية الوطنية لهذه السياسة وهو ما يجعل التماثل واضحا هذه المرة ولا يستوجب منّا تأويلا أو مقارنة بين فصول القانون ومبادئ الاتفاق العالم حول تجارة الخدمات. فقد جاء في مقدمة القانون التوجيهي : " وقد أغنيت هذه المرجعية الوطنية ببرامج المنظمات الدولية المختصة وأدبياتها...".
فما هي هذه المنظمات؟ هل إنّ الاتفاق العام حول تجارة الخدمات يندرج ضمن هذه الأدبيات المتحدّث عنها؟ أليس الابتداء بالحديث عن المرجعية الوطنية والإطناب فيه وإيجاز الكلام عن برامج المنظمات الدولية وأدبياتها تضليلا وتمويها؟ ممّ تخاف الحكومة : من الصراحة أم من بروز حركات رفض ومقاومة لهذه السياسة أم من افتضاح أمرها؟ على كلّ حال فإنّنا نعتقد أنّ سكوتها أو إيجازها في الكلام عن ذلك في أحسن الأحوال إنّما هي تطنب في الإشارة إلى أنّ القانون الجديد غير اجتماعي ولا يلبّي انتظارات الشعب التونسي من المدرسة. أفلا يعلم علماء بلاغة الرطانة في الوزارة أنّ الإيجاز والإشارة أبلغ من الثرثرة وأوضح منها؟!
هذه حصيلة بحثنا في نصيّن قانونين متزامنين محلي ودولي: القانون التوجيهي للتربية والتعليم والاتفاق العام حول تجارة الخدمات. وهي حصيلة تؤكّد أطروحة مماثلة المحلي للدولي- قد لا تكون مماثلة كلية- في عصر رأسمالية التبادل الحر وتسليع كلّ شيء. ولئن كان التعليم وغيره من القطاعات الاجتماعية الأخرى في ما مضى قطاعا عموميا وإن بدرجات متفاوتة قطاعيا وجغرافيا فإنّ ذلك ما كان ليكون لولا نضالات ومقاومة اجتماعية نجحت في كبح جماح رأس المال المتوحش وهو ما يعني أن المسألة ليست قضاء مبرما وأنّه من الممكن صدّ هذا الوحش أو حتى القضاء عليه حتى لا يعود أكثر شراسة بعد جرحه.
مختار بن حفصة

1 الاستشارة الوطنية حول مدرسة الغد- الوثيقة المرجعية، أكتوبر 2000.
2 القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي الفصل 10 ص 21
3 نفس المرجع. الفصل 38 ص 35
4 نفس المرجع. الفصل 40 ص 35-36.
5 نفس المرجع " المقدمة : في القانون التوجيهي للتربية والتعليم" ص 5-6.

mardi 3 mai 2011

الحقّ في الغذاء


الحقّ في الغذاء
سلسلة من إعداد برنامج الحقوق الإنسانيّة التابع لمركز أوروبا – العالم الثالث (CETIM)
ترجمة : مختار بن حفصة
الحق في الغذاء حق إنساني أساسي تنصّ عليه منظمة الأمم المتحدة و مضمّن في المواثيق الإقليميّة والعديد من الدّساتير الوطنيّة.


إعداد الوثيقة
-  كريستوف قولاي، مستشار المقرر الخاص للحقّ في الغذاء في منظمة الأمم المتحدة.
- مالك أوزدان ، مدير برنامج حقوق الإنسان في مركز أوروبا-العالم الثالث والممثّل الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة.

شكر


استفادت هذه الوثيقة من دعم مقاطعة جنييف ورومند، وهي تندرج في إطار برنامج حقوق الإنسان في مركز أوروبا – العالم الثالث وهو برنامج حظي بدوره في أوت 2005 بدعم إدارة التنمية والتعاون في مدينتيْ جنييف ولانسي بسويسرا.

التصرّف الوثيقة

هذه الوثيقة متوفرة باللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية (والعربية- المترجم). وليس نسخ هذه الوثيقة و/أو ترجمتها إلى لغات أخرى مباحا فقط، بل إنّنا نشجّع على ذلك أيضا شرط الإشارة إلى النشرة الأصلية وإعلام مركز أوروبا – العالم الثالث بذلك.

مقدّمة
إنّ الحقّ في الغذاء حقّ إنساني معترف به اليوم على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، وهو حقّ كوني لـكلّ شخص ومجموعة بشرية.
ورغم ذلك يعاني اليوم 852 مليون شخص في العالم من سوء التغذية بشكل خطير ودائم(منهم 815 مليون في البلدان النامية و28 مليون في البلدان الانتقالية و9 ملايين في البلدان المصنعة). ويموت اليوم طفل واحد لا يتجاوز عمره 10 سنوات كلّ خمس ثواني بسبب الجوع وسوء التغذية أي أكثر من خـمسة ملايين كلّ سنـة!
ونجد ضمن الـ852 مليون شخص 50% هم من صغار الفلاحين و20% فلاحين لا أراضي لهم و10% رعاة بدويين.أو صائدي سمك صغار و10% من فقراء الحواضر. و 5% فقط شملتهم حالات إستعجالية للتغذية بسبب النزاعات المسلحة والظروف المناخية الاستثنائية (الجفاف أوالفيضانات أساسا) أو بسبب التحوّلات الاقتصادية العنيفة. ونجد من الـ5 ملايين من الأطفال الذين يموتون سنويا بسبب الجوع وسوء التغذية نسبة 10% فقط هم ضحايا النزاعات أو المجاعات.
إنّ أسباب نقص التغذية والموت جوعا وسوء التغذية هي إذن معقدة للغاية إذ لا يمكن حصرها في الحرب أو الكوارث الطبيعية وإنّما هي عائدة بشكل رئيسي إلى انعدام العدل الاجتماعي والإقصاء السياسي أو الاقتصادي وإلى كلّ أشكال التمييز.
تفرض علينا الحصيلة التالية نفسها : هناك مئات الملايين من الأشخاص الذين يشكون من سوء التغذية يعانون من الإقصاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أنّ حقّهم في التغذية قد انتهك.
الإقصـــاء
إنّ هؤلاء المئات من الملايين من الأشخاص هم عمليا مقصون عن كلّ مسارات أخذ القرار حتّى وإن كانت هذه القرارات تعنيهم وتتعلق بهم مباشرة. وليس لديهم سلطة سياسية ولا أحد يمثّلهم أو يستشيرهم. وإنّهم مقصون أيضا عن كلّ الموارد التي تمكّنهم من أن يحيوا حياة كريمة في مأمن من الفقر. وبالفعل، فإذا كانت كميّة الغذاء المتوفّرة في الكوكب هي اليوم كافية إلى حدّ بعيد لكلّ سكان المعمورة، فإنّ هؤلاء الـ852 مليون شخصا مازالوا يشكون سوء التغذية لأنّهم محرومون من الموارد المنتجة الكافية( وخاصة الأراضي والماء والبذور 
وكذلك الصيد البحري) كما أنّهم محرومون من دخل كاف يتيح لهم ولأسرهم تأمينَ حياة كريمة في مأمن من الجوع. إنّ هذه الوضعية متّصلة بالتبادل اللامتكافئ بين الشمال والجنوب اتصالا وثيقا.
وقد لخّص هذه الوضعية جوزي دي كاسترو (1908-1973)، عالم الاجتماع البرازيلي ورئيس اللجنة التنفيذية للتغذية والزراعة(الفاو) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تلخيصا جيّدا حين قال :
»الجوع حرمان. حرمان من الأرض والدخل والعمل والأجر والحياة والمواطنة. فعندما يصل الأمر بشخص إلى حدّ لا يجد ما يأكل، فهذا يعني أنّه حُرم من كلّ شيء. إنّه مظهر معاصر للنفي. إنّه الموت في الحياة«1

انتهاك الحقّ في الغذاء

إذا كان عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم يساوي اليوم 852 مليون شخص، فهذا يعني عمليا أنّ الحقّ في الغذاء يتمّ انتهاكه في كلّ لحظة وفي كلّ البلدان تقريبا. وإذا ما استثنينا حالات نادرة جدا فإنّه لم يقع تقديم أيّ شكوى ولم تقع متابعة أيّ حكومة جزائيا. ولم تحصل أيّ ضحيّة على جبر أضرار و تعويض.
إنّ الحقّ في الغذاء حقّ إنساني وليس مجرّد اختيار سياسي يمكن للدول أن تختار بين تنفيذه والتخلّي عنه. ويستتبع الإقرار بهذا الحقّ إذن التزامات على الدول تحقيقها، فليس مقبولا ولا هو بالأمر العادي أن تحقّق الدول التزاماتها المتعلقة بالاتفاقيات الاقتصادية والتجارية على الصعيد الدولي فقط وذلك على حساب التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان التي غالبا ما يتضح تعارضها مع تلك الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية. ورغم ذلك، فإنّ أوّلية حقوق الإنسان على كلّ اتفاق اقتصادي أو تجاري أمر قد تمّ التنصيص عليه مرات عديدة في القرارات التي تبنّتها هيئات الأمم المتحدة والتي صادقت عليها هذه الدول نفسها.
في الواقع، إنّ وسائل المطالبة بتحقيق الحقّ في الغذاء وحظوظ الحصول على جبر الأضرار أو التعويض مرتهن إلى حدّ كبير بالإعلام وآليات المراقبة المتاحة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي. وتسعى هذه الوثيقة التعليمية إلى تحقيق هدف مزدوج :
  • المساهمة في تحسين الإعلام المتوفّر حول الحقّ في الغذاء.
    • تقديم آليات المراقبة على الصعيد الوطني والدولي والتي يمكن للضحايا استخدامها في صورة انتهاك الحقّ في الغذاء.
    إنّ أغلب الحركات الاجتماعية، مجموعات ومنظمات غير حكومية، المنخرطة في الدفاع عن حقوق المضطهدين لا تعرف الوسائل الدولية معرفة جيّدة ولا تحسن استخدامها على الصعيد الوطني. لذلك تهدف هذه الوثيقة إلى أن تكون أداة لهذه الحركات كيْ تكون في نضالاتها اليومية قادرة على المطالبة بتطبيق الحقّ في الغذاء وفرضه.
            • يهتمّ الجزء الأوّل من هذه الوثيقة بتعريف الحقّ في الغذاء وبيان مضمونه.

          • يستند الجزء الثاني إلى النصوص الدولية والإقليمية الملائمة وذات الصلة الوثيقة بالموضوع.
          • يوضّح الجزء الثالث التزامات الدول وما تطبّقه.
          • يهتمّ الجزء الأخير باستخدام هذا الحقّ وبالآليات المتوفرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي التي يلتجأ إليها لحماية الأشخاص والمجموعات التي انتهك حقّها في الغذاء.

          1. تعريف الحقّ في الغذاء ومضمونه.
1- المقرّر الخاصّ للحقّ في الغذاء
يعتبر الحقّ في الغذاء بالنسبة إلى السيّد جون زيغلار، المقرّر الخاص للأمم المتحدة حول الحقّ في الغذاء، هو الحقّ في الحصول المنتظم والدائم والحر – سواء مباشرة أو عن طريق الشراء نقدا- على غذاء مناسب وكاف كمّا وكيفا وملائم للتقاليد الثقافية للشعب الذي ينتمي إليه المستهلك. ويؤمّن للفرد حياة نفسية ومادية كريمة ومرضية وخالية من الكرب وذلك على المستويين الفردي والجماعي.
يتضمّن الحقّ في الغذاء الحقّ في نيل المساعدة إذا ما عجز الفرد على تخطّي هذا المأزق بمفرده، ولكنّه قبل كلّ شيء هو »الحقّ في توفّر القدرة الذاتية للحصول على الغذاء وفي كنف الكرامة .«
ويتضمّن الحقّ في الغذاء كذلك الوصول إلى الموارد والوسائل لإنتاج الفرد قوته الخاص وضمانه : الحصول على الأرض، وأمان الملكية والوصول إلى الماء والبذور والقروض والتكنولوجيا والأسواق المحلية والجهوية ويشمل هذا الحق فيمن يشمل المجموعات المتدهورة أوضاعها والمتعرّضة إلى التمييز, والوصول إلى مناطق الصيد البحري التقليدية بالنسبة إلى مجموعات البحارة الذين يرتبط قوتهم بمناطق الصيد هذه، والحصول على دخْل كاف لضمان حياة كريمة يتمتّع بها كذلك العمال الفلاحيون وعمال الصناعة، وكذلك تمتّع الأشخاص الأكثر عوزا بالضمان الاجتماعي والمساعدة.
2- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
حسب لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة (انظر الفصل الرابع الفقرة الثالثة)، وهي الهيأة الرئيسية في الأمم المتحدة المكلّفة بمراقبة تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإنّ :
»الحقّ في غذاء كاف لا يفصل عن الكرامة الأصلية للإنسان ولا غنى عنه في تحقيق الحقوق الأساسية الأخرى المنصوص عليها في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان 3 ولا يفصل الحقّ في الغذاء كذلك عن العدالة الاجتماعية ويتطلّب على الصعيدين الوطني والدولي تبنّى سياسات 
اقتصادية وبيئية واجتماعية ملائمة تهدف إلى القضاء على الفقر وتحقيق جميع الحقوق لجميع الناس « 
وتؤكّد لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة كذلك على أنّ :
» لا يتحقّق الحقّ في غذاء كاف إلاّ عندما يحصل كلّ رجل وكلّ إمرأة وكلّ طفل يعيش منفردا أو ضمن جماعة،ماديا واقتصاديا وفي كلّ أوان على غذاء كاف أو على وسائل الحصول عليه.« 
للحقّ في الغذاء إذن مكوّنان أساسيان : توفّر الغذاء والوصول إليه.

أوّلا، يجب أن يكون الغذاء المقبول ثقافيا، الكافي كمّا والطاهر كيفا لإشباع حاجيات الفرد الغذائية متوفّرا للجميع، أي يجب أن يتمّ الحصول عليه من الأرض مباشرة أو من موارد طبيعية أخرى أو من أنظمة توزيع موفية بالمرام.
ثانيا، يجب أن يتمكّن كلّ شخص من الحصول على الغذاء جسديا واقتصاديا. ونعني بـ"جسديا" أنّه يجب أن يحصل كلّ شخص، بمن في ذلك الأشخاص الضعفاء جسديا كالرضّع والأطفال الصغار والمسنّون والمعاقون والمرضى والأشخاص المعرّضون إلى مشاكل صحيّة دائمة ومن ضمنهم أصحاب الإعاقة الذهنية، على غذاء كاف وملائم. ونعني بـ " اقتصاديا " أنّ مصاريف الشخص أو الأسرة أو المجموعة يجب أن تتيح لهم تأمين نظام غذائي ملائم ولا يجب أن تعرّض للخطر التمتّع ببقية الحقوق الإنسانية مثل الصحّة والسكن والتعليم..الخ.
إنّ الحقّ في الغذاء حقّ كوني للجميع. غير أنّه في الواقع يحمي بشكل أوليّ الأفراد والمجموعات الأكثر ضعفا في المجتمع ومن ضمنهم أولئك الأشخاص أو المجموعات المعرّضين للتمييز كالنساء والأطفال والفلاحين دون أرض والسكان الأصليين والقبائل والبحارة الصغار وسكان أحياء الصفيح والمعطّلون عن العمل، الخ...

الحقّ في الماء
هناك في العالم اليوم 1.4 مليار شخص لا يحصلون على الكمية الكافية من الماء الصالح للشرب و4 مليارت تقريبا لا يتمتّعون بالظروف الصحية الملائمة. إنّ الدفاع عن الحقّ في الماء وفرض تحقيقه لأمر عاجل تماما مثل الدفاع عن الحقّ في الغذاء.
إنّ الحقّ في الماء من حقوق الإنسان التي تمّ إقرارها – تلميحا أو تصريحا- في العديد من الوثائق الدولية والإقليمية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاق حول إلغاء كلّ أشكال التمييز ضدّ النساء والاتفاق الخاص بحقوق الطفل.
أوردت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ملاحظتها العامة عدد 15 المتبناة في نوفمبر 2002 تدقيقات ايضاحات حول محتوى الحق في الماء وتعرّفه على أنّه الحقّ في :
»التزويد الكافي بماء عذب وذي جودة مقبولة للاستغلال الشخصي والعائلي للجميع ويمكن الوصول إليه ماديا وبسعر مقبول
وأكّد المقرّر الخاص باللجنة الفرعية لتشجيع حقوق الإنسان وحمايتها حول تحقيق الحقّ في الماء الصالح للشرب وبالاتفاق مع لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنّ :
»الحقّ في الماء الصالح للشرب والصرف الصحي للمياه هو جزء مكمّل لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا ويمكن اعتباره جزءا أساسيا لتحقيق العديد من الحقوق الأخرى من حقوق الإنسان (الحقّ في الحياة، الحقّ في الغذاء، الحقّ في الرعاية الصحية، الحق في السكن ...)«
وحسب المقرّر الخاص بلجنة حقوق الإنسان المتعلّقة بالحقّ في الغذاء فإنّ » لفظ الغذاء لا يشمل الطعام فحسب بل يشمل كذلك الماء الصالح للشرب
فهل يجب تدقيق أنّ العديد من البلدان أدرجت الحقّ في الغذاء وأحيانا الحقّ في الماء، وإن كان ذلك ضمنيا، في تشريعاتها؟
حسب تحقيق أجراه المكتب القانوني للفاو استنادا إلى 69 تقريرا وطنيا عرضت فيما بين 1993 و2003 فـ » إنّه من الممكن أو من المحتمل أنّه ممكن رفع قضيّة في 54 بلدا بموجب الحقّ في الغذاء «
لمزيد الاطّلاع على الحقّ في الماء انظر :
 الملاحظة العامة عدد 15 الصادرة من طرف لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليها أثناء الدورة التاسعة والعشرين للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ن في 11-29 نوفمبر 2002. ص 116 من الوثيقة
IIالنصوص الدولية والإقليمية ذات الصلة الوثيقة بالموضوع
لقد تمّ الإقرار بالحقّ في الغذاء في العديد من النصوص على المستوى الدولي والإقليمي والوطني. فعلى الصعيد الدولي نجد أنّ النصّين الأساسين هما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر سنة 1966. أمّا على الصعيد الإقليمي فنجد الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر سنة 1981 والبرتوكول الإضافي للاتفاق الأمريكي لحقوق الإنسان المهتمّ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصادر في 1988 والذي يعرف كذلك ببروتوكول سان سالفادور. وأخيرا نجد على الصعيد الوطني أنّ الدساتير الوطنية تعترف بالحقّ في الغذاء مباشرة أو بحقوق أخرى أساسية يمكنها أن تتضمّن الحقّ في الغذاء وذلك مثل الحقّ في الحياة.
1- على المستوى الدولي 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)
لقد تمّ الاعتراف بالحقّ في الغذاء للمرّة الأولى على الصعيد الدولي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948.وقد أعلنت الدول في هذه الوثيقة »أنّه لكلّ شخص الحقّ في مستوى من العيش كاف لتأمين الصحّة والرفاه له ولعائلته وخصوصا الغذاء والملبس والسكن والعلاج الضروري. وله الحقّ في الحماية في حالات البطالة والمرض والعجز والترمّل والشيخوخة، أو في حالات أخرى يفقد فيها وسائل العيش جرّاء ظروف خارجة عن إرادته.« (الفصل 25).
تكمن قوّة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الواقع كونه مقبولا اليوم من كلّ الدول.
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)
تبنّت الدول سنة 1999، أي حوالي 20 سنة بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد اعترفت الدول في 
هذا العهد بالعديد من الحقوق الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن بينها الحقّ في الغذاء والحقّ في الرعاية الصحيّة وحقّ التعليم والحقّ في السكن وحقّ الشغل. وقد التزمت الدول في فصله الحادي عشر باتّخاذ الإجراءات الضرورية لتحقيق » حقّ كلّ شخص في مستوى عيش كاف له ولأفراد عائلته ومن ضمنه الحصول على غذاء كاف (...) وكذلك على تحسين دائم لظروف عيشه«. و» من الحقوق الأساسية لكلّ شخص أن يكـون في مأمن من الجوع«.

إنّ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اتفاق، فكلّ الدول التي قبلته عن طريق المصادقة عليه أو الانضمام إليه ملزمة به قانونا (151 دولة إلى حدّ الآن).
إنّ الحقّ في الغذاء الذي تمّ الاعتراف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حقّ لكلّ شخص دون أيّ تمييز كان.
وقد قبلت الدول اتفاقيات دولية أخرى بهدف حماية المجموعات المتدهورة أوضاعها بشكل خاص كالنساء والأطفال والشعوب الأصلية والقبائل واللاجئين أو المشرّدين. فقد تمّ الاعتراف بالحقّ في الغذاء بالنسبة إلى النساء في اتفاقية إلغاء كلّ أشكال التمييز ضدّ النساء ( في الفصلين 12 و14)، أمّا بالنسبة إلى الأطفال فقد تمّ ذلك في الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل (في الفصلين 24 و27). وفيما يخص اللاجئين فقد تمّ الاعتراف بالحقّ في الغذاء في الاتفاقية الخاصة بأوضاع اللاجئين (في الفصلين 20 و23) وبالنسبة إلى المشردين في الاتفاقية الخاصة بأوضاع المشردين (في الفصلين 20 و23) وبالنسبة إلى الشعوب الأصلية والقبائل نجد هذا الاعتراف في الاتفاقية الخاصة بالشعوب الأصلية والقبائل (في الفصلين 14 و19 خصوصا).
إنّ كلّ هذه الاتفاقيات المشار إليها ملزمة لكلّ الدول التي صادقت عليها.
2- على المستوى الإقليمي
لقد تمّ الاعتراف بالحقّ في الغذاء بدرجات متفاوتة في القارات الأمريكية والإفريقية والأوروبية. أمّا في القارة الآسيوية فلا وجود لنصّ إقليمي خاصّ بحماية حقوق الإنسان.
في القارة الأمريكية
برتوكول سان سالفادور (1988)

يتمّم برتوكول سان سالفادور الاتفاقية الأمريكية الخاصة بحقـوق الإنسان الصادرة سنة 1969. وهي النص الوحيد، على الصعيد الإقليمي، الذي يعترف ضمنيا بالحق في الغذاء. فقد اعترفت الدول الأمريكية في الفصل 12 بأنّه » لكلّ شخص الحقّ في غذاء ملائم يضمن له إمكانية بلوغ نموّه الجسدي الكامل وتمام تكامل شخصيته عاطفيا وفكريا.«.

وقد التزمت الدول في هذا الفصل، بهدف ضمان ممارسة هذا الحقّ واجتثاث سوء التغذية، بإتقان طرق إنتاج الغذاء وتموينه وتوزيعه والتشجيع على تعاون دولي كبير بدعم السياسات الوطنية المتعلّقة بهذا الشأن.
وقد أمضى على برتوكول سان سالفادور 19 دولة ولكنّه الآن ليس ملزما إلاّ للـ13 دولة التي صادقت عليه. وهي الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والاكوادور والسالفادور وغواتيمالا والمكسيك وبانما والبارغواي والبيرو والسرينام والاورغواي. (للمزيد من التفصيل انظر الملحق الثالث).

في القارة الإفريقية

الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981) والميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهته
إنّ الحقّ في الغذاء محمي في القارة الإفريقية عن طريق نصّيْن هما الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهته.
لا يعترف الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بوضوح بالحقّ في الغذاء. وهناك العديد من الحقوق الأخرى مثل الحقّ في الرعاية الصحيّة (الفصل 16) هي خلافا لذلك معترف بها ويمكن تأويلها على أنّها تحمي الحقّ في الغذاء. وينصّ الميثاق الإفريقي أيضا على أنّه على الدول الإفريقية تحقيق الحقّ في الغذاء الذي اعترفت به على المستوى الدولي بما في ذلك قبول العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الفصل 60 من الميثاق الإفريقي). إنّ كلّ الدول التي قبلت الميثاق الإفريقي والعهد الدولي هي إذن ملزمة 
باتخاذ إجراءات تضمن تحقيق الحقّ في الغذاء لشعوبها ويجب عليها أن تبرهن على ذلك أمام آليات النقض والطعن المتوفرة على مستوى القارّة (انظر الجزء الرابع من هذه الوثيقة).
إنّ الميثاق الإفريقي ملزم للـ 53 دولة الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والتي صادقت عليه. (انظر قائمة هذه الدول في الملحق الرابع).
أمّا بالنسبة إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهته فهو أكثر وضوحا، إذ أنّ الدول التي قبلت به، معترفة بحق الأطفال في الرعاية الصحية، هي في الواقع ملتزمة بـأن » تضمن (للطفل) توفير الغذاء الملائم والماء الصالح للشرب«.(الفصل 14).وهي ملتزمة كذلك باتّخاذ كلّ الإجراءات المناسبة -وذلك حسب إمكانياتها- لمساعدة الآباء أو الأشخاص الآخرين المسؤولين عن الطفل وإقامة برامج مساعدة مادية ومساندة الأطفال وخصوصا فيما يتعلّق بالغذاء (الفصل 20).
إنّ احترام الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهته هو اليوم إلزامي بالنسبة إلى الـ35 دولة التي صادقت عليه (انظر قائمة هذه الدول في الملحق 5).
في القارّة الأوروبية
الميثاق الاجتماعي الأوروبي (1961)
لا يعترف الميثاق الاجتماعي الأوروبي بالحقّ في الغذاء اعترافا مباشرا، لأنّ الدول الأوروبية التي صاغته تعتبر أنّها ليس في حاجة لحماية الحقّ في الغذاء مادام حقّ الشغل والحقّ في الحماية الاجتماعية وحقّ المساعدة مضمونا. إنّ حماية الحقّ في الغذاء في القارّة الأوروبية ليست إذن إلاّ حماية جزئية. إنّ الدول الأوروبية بمصادقتها على الميثاق الاجتماعي الأوروبي ملزمة بالاعتراف بحقّ العمّال في أجر يمكّنهم وعائلاتهم من حياة لائقة (الجزء الثاني من الفصل 4) وحقّهم في الحماية الاجتماعية(الفصل 12) والحقّ في المساعدة الاجتماعية والصحية (الفصل 13) تشمل الأمّ والطفل كذلك (الفصل 17) كما يتمتّع بهذه الحقوق العمّال المهاجرون وعائلاتهم (الفصل 19).

إنّ الميثاق الاجتماعي الأوروبي هو اليوم إلزامي بالنسبة إلى الـ27 دولة التي صادقت عليه أو انضمّت إليه (انظر قائمة هذه الدول في الملحق 6).
III- التزامات الدول وممارساتها
  1. التزامات الدول
ليس الحق في الغذاء باعتباره حقّا إنسانيا مجرّد خيار سياسي يمكن للدول أن تختار بين اتّباعه أو عدم اتّباعه، ذلك أنّ الاعتراف بهذا الحقّ يستتبع إذن التزامات بالنسبة إلى الدول.
لقد حُدّدت الالتزامات المترابطة للدول من طرف هيئات مراقبة دولية وإقليمية (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدةواللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب). كما حُدّدت هذه الالتزامات من طرف الدول نفسها التي يجب عليها تحقيق الحقّ في الغذاء على الصعيد الوطني (انظر ما سيأتي والفصل الرابع العنوان 1).
إن من واجب الدول احترام وحماية وترجمة الحق في الغذاء في الواقع، أي بمعنى تسهيله وتحقيقه. وعندما نقول إنّه يجب على الدول احترام الحقّ في الغذاء فهذا يعني أنّه يجب عليها مثلا ألاّ تطرد المزارعين أو السكان الأصليين من أراضيهم، وألاّ تلوّث المياه التي يستخدمونها في ريّ حقولهم، وألاّ تلتزم بسياسات اقتصادية من شأنها أن تؤدّي إلى فقدان كثيف لمواطن الشغل أو تدهور كبير في المقدرة الشرائية دون أن توفّر بديل يضمن الحياة الكريمة للأشخاص الذين اصبحوا عاجزين عن الحصول على غذاء ملائم.
وكمثال على ذلك فإنّه يجب الاعتراف بالحقوق في أرض السكان الأصليين والأقليات واحترامها.
ويجب على الدول حماية الحقّ في الغذاء ويعني ذلك أنّه عليها أن تمنع شخصا ما أو شركة وطنية أو عابرة للقوميات من الضرر بالموارد التي تمكّن شخصا أو مجموعة من الأشخاص من الحصول على الغذاء.
ونتيجة لذلك فإنّه يجب حماية الحقوق العقارية للمزارعين أو السكان الأصليين وضمان الأجر الأدنى حتّى في المؤسسات الخاصة ولا يجب ممارسة التمييز ضد النساء في الشغل أو حقوق الملكية.
وعلى الدول أخيرا أن تجعل الحقّ في الغذاء بالنسبة إلى الـ852 مليون شخصا الذين يعانون من سوء التغذية عمليا، أيْ عليها أن تيسّر وتحقّق حصولهم على الغذاء.
يرتبط احترام هذين الالتزامين الأخيرين بعمل تمهيدي ضروري تقوم به الدول وهو تحديد الأشخاص المستهدفين. إنّ الهدف من الالتزام بتيسير الحقّ في الغذاء هو السماح لهؤلاء الأشخاص أن يحصلوا بسرعة وبمفردهم على غذاء ملائم. ويجب على الدول عمليّا القيام بأعمال عديدة وذلك حسب الوضعيّة الاقتصادية-الاجتماعية والتاريخية والجغرافية للبلد. فعليها مثلا أن مساعدة الفلاحين حتّى يتمكّنوا من الرفع في إنتاجيتهم، وعليها أن تيسّر حصول مَن هم أكثر فقرا على القروض، ونشر مبادئ التربية الغذائية حتى يتمكّن المعوزين من استخدام أفضل للموارد المتوفّرة لهم مثل الرضاعة الطبيعية والالتزام بإصلاح زراعي لإعادة توزيع الأراضي توزيعا عادلا وتيسير خلق مواطن الشغل الضامنة لمستوى عيش كريم، وإنشاء الطرق لتسهيل نقل البضائع والوصول إلى الأسواق المحلية، وتحسين الريّ أو كذلك دعم الاقتصاد العائلي.
ويجب على الدول أخيرا تحقيق الحقّ في الغذاء بالنسبة إلى أولئك الذين ليس لهم أيّ إمكانية للحصول على غذاء ملائم بمفردهم، أيّ يجب عليها أن تمنحهم مساعدة مباشرة. ويمكن أن تكون هذه المساعدة غذائية بالنسبة إلى أولئك الذين لا إنتاج لهم أو مالية بالنسبة إلى الذين يمكنهم الحصول على الغذاء من الأسواق المحلية .إنّ هذا الإجراء على غاية من الأهمية سواء في الأوضاع العادية أو الاستعجالية.
يجب على الدول في الأوضاع العادية أن تساعد، عن طريق الحماية الاجتماعية خصوصا،المسنّين المحرومين والمهمّشين الذين ما فتئ عددهم يرتفع بفعل التمدين المتنامي والتخلي عن الروابط الأسرية المميّزة للمجتمعات الفلاحية التقليدية. ويجب عليها أيضا تغذية السجناء وأبناء العائلات الفقيرة بتوفير وجبات مدرسية مجانية مثلا.
أمّا في الأوضاع الاستعجالية (مثل الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة) فيجب على الدولة تقديم مساعدة غذائية في أسرع وقت ممكن للأشخاص المتضررين بمفردها أو بمساعدة دول أخرى ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية الوطنية والعالمية إذا لم تكن لها وسائل تحقيق ذلك.
يمكن لتيسير الحق في الغذاء وتحقيقه أن يستتبع الالتجاء إلى موارد كبيرة، فالدول وقد اعترفت بالحق في الغذاء ملزمة بتوظيف أقصى لمواردها المتوفرة وإذا كانت تعوزها هذه الموارد عليها أن إصدار نداء للحصول على الموارد من دول أخرى أو من الأمم المتحدة لتحقيق الحقّ في الغذاء.
  1. ممارسات الدول (الأوضاع الرّاهنة)
يجب على الدول المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إدراج الحقّ في الغذاء في تشريعاتها الوطنية. ويُعترف حاليا بالحق في الغذاء على المستوى الوطني بأشكال مختلفة :
    1. عبر ترجمة النصوص الدولية أو الإقليمية المعترفة بالحقّ في الغذاء مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو بروتوكول سان سالفادور وتضمينها في التشريعات الوطنية.
    2. عبر الإشارة في الدستور إلى أنّه حقّ إنساني أساسي.
    3. عبر الإشارة في الدستور إلى أنّ الحصول على الغذاء مبدأ وغاية أو هدف اجتماعي أو سياسي رئيسي للدولة.
    4. جعله جزءا متمّما لحقوق أساسية يضمنها الدستور مثل الحقّ في الحياة مثلا.
    5. عبر ضمان عناصر الحق في الغذاء في الدستور مثل الحصول على الأرض والوصول إلى المياه وضمان دخل أدنى أو الحماية الاجتماعية.
هناك عدد كبير من القوانين الضامنة لحقّ السكان في الغذاء وتوزيع الموارد ومنها الأرض والماء وحقّ استخدامهما وأن يصبحا ملكية ومنها أيضا الأجر الأدنى والوصول إلى مناطق الصيد البحري وتنظيم المساعدة الغذائية ...الخ. وتعتبر هذه القوانين ضرورية بالنسبة إلى الحق في الغذاء. ويمكن أن تكون عادلة وكاملة ومساوية وغير قائمة على التمييز. ويمكن أيضا الاستناد إليها لرفع دعوى أما قاض مستعدّ لقبولها، قاض غير منحاز وناجع في صورة عدم احترام هذه القوانين. أمّا إذا كانت هذه الأخيرة غير عادلة وناقصة أو قائمة على الميز، أو إذا كانت الهيئة التشريعيّة التي تعود إليها بالنظر بطيئة جدا أو متحيّزة أو مشكوك في كفاءتها، لا يمكن في هذه الحالة التماس هذه القوانين.
يستند هذا الجزء أساسا إلى الاعتراف بالحق في الغذاء في مختلف الدساتير الوطنية علما وأنّ الدستور في الأغلبية الساحقة من الدول هو القانون الأعلى. وبالفعل، فإذا ما تمّ الإقرار بالحق في الغذاء في الدستور فإنّه يمكن الاستناد إليه لمحاولة تغيير قانون غير عادل أو تطبيق قانون يحميه.
الاعتراف بالحقّ في الغذاء باعتباره حقّا أساسيا
هناك عدد لا يستهان به من الدول التي تعترف في دساتيرها بالحق في الغذاء باعتباره حقّا أساسيا. ويمكن أن تستشهد على ذلك بجنوب إفريقيا والكنغو وفنلندا وهايتي ونيكارغوا وأوغندا وروسيا وأوكرانيا (انظر الملحق 7). وهناك بعض الدول، مثل البرازيل وكولومبيا وكوبا والاكوادور وغواتيمالا والبارغواي، تعترف بالحق في الغذاء لبعض المجموعات من السكان المتدهورة أوضاعها بصفة خاصة : الأطفال والمراهقون والمسنّون (انظر الملحق7).
وأفضل مثال للاعتراف بالحق في الغذاء باعتباره حقا أساسيا ما ورد في دستور جنوب إفريقيا الذي نصّ على أنّه » لكلّ شخص الحق في الحصول على غذاء وماء كافيين وعلى الحماية الاجتماعية، ويشمل ذلك الأشخاص العاجزين عن تأمين احتياجاتهم واحتياجات من هم في كفالتهم، وعلى المساعدة الاجتماعية المناسبة.« (الفصل 27).
ونصّ على أنّه » لكلّ طفل الحقّ في مستوى أدنى مـن التغـذية وفي خدمات اجتماعية أساسية «.
وينصّ دستور جنوب إفريقيا كذلك على أنّ الدولة ملزمة باحترام الحق في الغذاء وحمايته وتحقيقه وأنّ هذا الإلزام يشمل كلّ سلطات الدولة – السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية والسلطة القضائية- ويشمل كذلك كلّ المستويات محليا وإقليميا ووطنيا (الفصلان 7 و8).
إنّ مثل هذا الاعتراف بالحق في الغذاء والتزامات الدولة المترابطة على غاية من الاهمية لأنّه يسمح برفع دعوى لجهاز قضائي على المستوى المحلي أو الوطني ضد انتهاك الحق في الغذاء (انظر الجزء الرابع من هذه الوثيقة).

الحصول على الغذاء والحق في الغذاء
لا يُعترف في العديد من الدول بالحق في الغذاء باعتباره حقا أساسيا غير أنّ الحصول على الغذاء مضمّن في الدساتير باعتباره مبدأ أو هدفا اجتماعيا أو سياسيا أساسيا. نجد ذلك مثلا في بنغلادش والاكوادور وأثيوبيا وغواتيمالا والهند وملاوي ونيجيريا والباكستان وجمهورية الدومنيك والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسريلانكا (انظر الملحق 7) في أنّ كلّ هذه البلدان المذكورة أعلاه، باستثناء الباكستان، صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية -كما صادقت عليه بلدان أخرى كثيرة- وبناء على ذلك فهي ملزمة بإدراج الحق في الغذاء في تشريعاتها الوطنية باعتباره حقا واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحقيقه.
إنّ الدولة، في هذه البلدان، باعتبارها دولة موقعة على العهد من واجبها تحسين شروط حصول السكان بمن فيهم الأكثر احتياجا، على الغذاء وذلك بواسطة سياساتها وبرامجها. ورغم ذلك فإنّ هذه البلدان تتملّص من واجبها ولا تدرج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في الغذاء في تشريعاتها الوطنية. وفي ظلّ هذه الظروف فإنّ الالتجاء إلى آليات المراقبة على الصعيد الوطني لجعل الحق في الغذاء محترما يغدو مستحيلا تماما. فيجب إذن تنظيم حملات تهدف إلى جعل الدول تمتثل لالتزاماتها الدولية وتدرج في تشريعاتها الوطنية الحقوق المذكورة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومنها الحق في الغذاء. وفي انتظار بلوغ هذه المسارات هناك وسيلة أخرى للنضال وهي تحديد هل أنّ الحق في الغذاء غير معترف به بطرق أخرى ومنها الإقرار بالحق في الغذاء في القانون الوطني عبر حقوق أساسية أخرى مثل الحق في الحياة أو عبر الاعتراف بالاتفاقيات الدولية أو القارية.
الاعتراف بحقوق أساسية أخرى تتضمن حماية الحق في الغذاء مثل الحق في الحياة
إنّ الحقّ في الحياة معترف به في أغلب البلدان باعتبارها حقا أساسيا في الدستور. فمن الممكن إذن أن يتمّ تأويله بدقّة من طرف أجهزة المراقبة وأن يتضمّن حماية حق الغذاء. هذا ما تمّ مثلا في الهند وبنغلادش. وهو ما تطالب به أيضا لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة احترام الحقوق المدنية والسياسية على الصعيد الدولي ومنها الحق في الحياة. فعلى الدول، بالنسبة إلى هذه اللجنة، أن تؤوّل بدقة الحقّ في الحياة كما تدرج اللجنة النضال من أجل إلغاء سوء التغذية.
في الواقع، إنّ تأويلا كهذا للحق في الحياة يصبح يسيرا عندما يتمّ الاعتراف في الدستور بالحق في الغذاء باعتباره مبدأ وهدفا أو غاية اجتماعية أو سياسية رئيسية بالنسبة إلى الدولة (انظر ما يلي). ففي الهند مثلا فقد تمّ تأويل حق الحياة بدقة من طرف المحكمة العليا منذ سنوات 1980. وهو يضمّ بالخصوص حماية الحق في الصحة والماء والسكن والبيئة السليمة. وقد ضمّنت أيضا منذ سنة 2001 حماية الحق في الغذاء.
ويمكن أن تتمّ حماية الحق في الغذاء كذلك عبر حقوق أساسية أخرى كالحق في حماية الكرامة الإنسانية مثلا. وهو ما تمّ في سويسرا على سبيل المثال حيث اعتبرت المحكمة الفيدرالية (أعلى هيئة قضائية وطنية) أنّ من حقّ كلّ شخص، يكون غير قادر على تلبية حاجياته، أن يتلقى الإعانة والرّعاية وأن يحصل على الوسائل الضروريّة التي تحفظ له كرامته الإنسانيّة.منذ قرار المحاكم الوطنيّة هذا، وقع الاعتراف في الدستور السويسري بالحق في شروط معيشة دنيا، بما في ذلك الحق في السكن، والغذاء واللباس، باعتباره حقا أساسيّا. (أنظر الجزء 4 الفقرة 1)
الاعتراف بالنصوص الدوليّة والإقليمية ضمن القانون الوطني
لقد تم، في عدد كبير من البلدان، إدراج المعاهدات الدولية أو الإقليمية التي تقر بالحق في الغذاء، على غرار العهد الدولي الخاصّ بالحقوق افقتصادية والإجتماعية والثقافية أو بروتوكول سان سالفادور، ضمن القانون الوطني.
فعلى سبيل المثال تم إدماج العهد الدولي الخاصّ بالحقوق افقتصادية والإجتماعية في القانون الوطني لما لا يقل عن 77 بلدا. في هذه البلدان يمكن الاستشهاد بالعهد الدولي بصفة مباشرة أمام القضاة من أجل المطالبة بالإستجابة للحق في الغذاء، كما الشأن في الأرجنتين.
الاعتراف ببعض عناصر الحق في الغذاء، مثل المنفذ إلى الأرض والماء، وضمان أجر أدنى أو الحماية الاجتماعيّة.
يتم الاعتراف في دساتير كافة البلدان ببعض العناصر من الحق في الغذاء مثل الحق في الأرض والحق في الماء والحق في أجر أدنى يكفل حياة كريمة. والحق في الضمان الاجتماعي. أو الحق في المساعدة الاجتماعية.
أما في البلدان التي لا ينصّ دستورها على الحق في الغذاء، أي لا باعتباره حقا أساسيّا، أو هدفا حوهريا، أو بوصفه مكوّنا لحق أساسي آخر، ولا عبر الاعتراف الوطني بالمواثيق الدوليّة والإقليمية، فإنه بالإمكان الاستناد إلى كل هذه العناصر للمطالبة بضمان الحق في الغذاء.
آليات المراقبة غير القضائية (العُرفية)
إنّ الآليتين الأساسيتين للمراقبة غير القضائية المتاحتين على الصعيد الوطني هما اللجان الوطنية لحماية حقوق الإنسان ومكاتب du médiateur (Ombudsman ou Defensor del pueblo). . وتشكل هاتان الآليتان معا ما نسميه " المؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان" الموجودة في مائة بلد تقريبا.
لا بد من التنويه إلى أنّ معظم المؤسسات الوطنية لحماية الحقوق الإنسانية خاضعة لمراقبة السلطات العمومية القائمة، وأنّ قرارات هذه المؤسسات تبقى مجرد مطالب. ومن الشائع كذلك أنّه لهذه المؤسسات mandat limité aux المدنية والسياسية المعترف بها في الدستور الوطني.

رغم كلّ شيء فإنّه في صورة عدم وجود الآليات القانونية فإنّ آليات المراقبة غير القضائية المتاحة على الصعيدين المحلي والوطني يمكنها أن تلعب دورا في حماية حقوق الإنسان عامة والحق في الغذاء خصوصا. يمكن لضحايا انتهاكات الحق في الغذاء في البلدان الموجودين بها أن يلتجؤوا إلى آليات المراقبة عن طرق رسالة بسيطة أو الحضور بأنفسهم وعرض حالتهم شفويا.
سيمكن للجنة وطنية لحقوق الإنسان في النيجر أو أوغندا أو منغوليا أو الهندوراس مثلا، أن تقبل شكاوي متعلقة بانتهاكات الحق في الغذاء وأن تجري تحقيقات ثمّ ترفع المطالب إلى السلطات العمومية. ويمكن لموفّق في غواتيمالا أن يقبل شكاوي انتهاك الحق وأن يفاوض الحكومة للاصلاح أو المطالبة بدفع تعويضات وهو أمر ممكن كذلك في كلّ بلدان أمريكا اللاتينية والعديد من البلدان الأوروبية.
إنّ قدرات التحقيق المتوفرة لدى الجنة الوطنية لحقوق الإنسان على قدر كبير من الأهمية ولقراراتها تأثير كبير على السلطات المحلية والإقليمية والوطنية، رغم أنّها غير ملزمة للسلطات العمومية قانونيا. ويجدر التنويه أيضا في هذا الإطار إلى مبادرة مهمّة للغاية بادر بها المجتمع المدني البرازيلي وتتمثل في إنشاء آلية مراقبة غير قضائية وهي المقررون الوطنيون الخاصون بحقوق الإنسان وأحد هؤلاء المقررين الخاصين وهو السيد فلافيو فالونت هو مقرر وطني خاص بالحق في الغذاء. ويعدّ تفويضه قريبا جدا من تفويض المقرر الخاص حول الحق في الغذاء بالأمم المتحدة (انظر ما سيأتي) إذ يقوم بمهام ميدانية في مختلف فيدراليات البرازيل ويمكنه على الصعيد الوطني أن يقبل شكاوي فردية أو جماعية متعلقة بانتهاك الحق في الغذاء. ويمكنه بعد معالجة هذه الشكاوي أن يستدعي السلطات العمومية ويطالبها بالإصلاح أو دفع تعويضات للضحايا.
2. آليات المراقبة على الصعيد الإقليمي
لا يوجد على الصعيد الإقليمي سوى آلية واحدة للمراقبة القضائية يمكن الالتجاء إليها في صورة انتهاك الحق في الغذاء وهي المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.وكلّ آليات المراقبة الإقليمية الأخرى الموجودة في صورة انتهاك الحق في الغذاء هي آليات مراقبة شبه قضائية.
المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان
تمثّل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان على الصعيد الإقليمي الآلية الأحدث لحماية حقوق الإنسان والتي أنشأت عبر تبنّى الدول الإفريقية سنة 1998 للبروتوكول المتعلق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وقد بدأ العمل بهذا البروتوكول في جانفي 2004 والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان هي الآن قائمة الذات.
لم ترفع بعدُ إلى المحكمة الإفريقة أيّ شكوى ولكنّ دورها في حماية الحق في الغذاء في القارة الإفريقية يمكن أن يكون على على غاية الأهمية. فالحق في الغذاء، كما أشرنا إلى ذلك، هو حق معترف به في الميثاق الإفريقي (انظر الجزء الثاني من هذه الوثيقة). ويمكن إذن لضحايا انتهاكات الحق في الغذاء الانتفاع بهذا الحق بطلب الإصلاح والتعويض. ويجب،رغم ذلك، التثبت من أنّ الدولة الإفريقية المتهمة بهذه الانتهاكات كانت قد وافقت على البروتوكول وذلك حتى يمكن للمشتكي من أن يطالب بالإصلاح والتعويض (انظر قائمة هذه الدول في الملحق عدد4).
يضع البرتوكول الخاص بالميثاق الإفريقي شرطا ثانيا لهذه الإمكانية وهو أنّه يجب على ضحايا انتهاك الحق في الغذاء قد استنفذوا طرق التقاضي المحلية، أي انّهم سعوا لدى الآليات القضائية المحلية الخاصة بمراقبة الحق في الغذاء للمطالبة بحقهم ولكن دون أن يوفقوا في ذلك (انظر ما سيأتي). إنّ هذه الآليات للمراقبة القضائية غير موجودة أو هي غير ناجعة في أغلب البلدان الإفريقية ويمكن للضحايا الالتجاء إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
إنّه من المبكر جدا القول إنّ هذه الآلية ستكون مساعدة كبيرة لضحايا انتهاكات الحق في الغذاء، ولكن تجربة اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يمكنها أن تبعث على الأمل إذا ما اتبعت المحكمة في المستقبل التوجهات المتبعة – والتي ستتبع كذلك- من طرف المحكمة (انظر ما سيأتي).
اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
تراقب اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب مدى احترام الاتفاقيات الإفريقية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن ضمنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهه. ويجب على كل الدول المصادقة على هذين الميثاقين (انظر الملحقين عدد 4 و5) أن تقدم إلى اللجنة تقارير حول الإجراءات التي اتخذتها لضمان الحق في الغذاء لشعوبها.
ويمكن للجنة الإفريقية كذلك أن تقبل شكاوي الأفراد أو المنظمات غير الحكومية في حالة وجود انتهاك لحق من الحقوق المضمونة في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومن بينها الحق في الغذاء (انظر الجزء الثاني من هذه الوثيقة). وفي صورة وجود انتهاك لحق الغذاء فإنّ اللجنة الإفريقية تصوغ تقريرا وتوجّه مطالبها إلى الدولة المعنية. ويعتبر عدم وجود وسائل تجبر الدول المعنية بتنفيذ القرارات ضعفا كبيرا في هذه الآلية للمراقبة، وهو شأن كلّ الآليات الدولية الأخرى. غير أنّ قوّتها الكبيرة تكمن في أنّ بلوغ الأفراد والمنظمات غير الحكومية إلى اللجنة أمر سهل نسبيا وأنّ تفويضها يتضمن حماية كلّ حقوق الإنسان.
في إحدى الحالات الحاصلة سنة 2001 رفعت منظمتان غير حكوميتين شكوى إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بسبب انتهاك الحق في الغذاء في نيجيريا. وكانت المنظمتان النيجيرية (مركز حركة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية) والأمريكية (مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) قد رفعتا قضية إلى اللجنة الإفريقية للدفاع عن شعب أوغوني ضدّ الشركة البترولية الوطنية وشركة شال العابرة للقوميات. وكانت الشركتان البتروليتان قد أتلفتا الأراضي وموارد المياه التي ينتفع بها شعب أوغوني وتمّ ذلك بتواطؤ كبير مع الحكومة وفي ظلّ إفلات من العقاب. وكانت اللجنة الإفريقية قد بتت في هذه الحالة، وتمّ ذلك لأوّل مرة، بأنّه يجب على الحكومة النيجيرية احترام وحماية حق شعب أوغوني في الغذاء والوقوف ضد نشاط الشركة الوطنية وشركة شال العابرة للقوميات. وبالنسبة إلى اللجنة الإفريقية فإنّ » الحق في الغذاء يفرض على الحكومة النيجيرية عدم إتلاف وتلويث موارد الغذاء (...) وقد أتلفت الحكومة موارد الغذاء عن طريق أعوان الأمن وشركات الدولة البترولية وعن طريق السماح للشركات البترولية الخاصة بإتلاف موارد الغذاء وكانت هذه الحكومة قد سببت عن طريق الرعب في وجود موانع جدية أمام شعب أوغوني في سعيه للحصول على الـغذاء (...) وكنتيجة لذلك فإنّ الحكومة النيجيرية (...) قد انتهكت حق شعب أوغــوني في الغذاء.
تابعت العديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية والعالمية هذه القضية، وكانت حملة إعلامية كبيرة قد أجبرت شركة شال على مغادرة نيجيريا. إنّ هذه القضية تبرهن على أنّ آليات مراقبة الحق في الغذاء على المستوى الإقليمي يمكن أن يكون لها تأثير حاسم في حالات دقيقة من حالات انتهاك الحق في الغذاء.
لجنة الأمريكيتين لحقوق الإنسان
تراقب لجنة الأمريكيتين لحقوق الإنسان مدى احترام الدول الاتفاق الأمريكي حول حقوق الإنسان وبرتوكول سان سالفادور.
على جميع الدول المصادقة على الاتفاق والبرتوكول أن تقدّم إلى اللجنة تقارير تتعلق بالإجراءات التي اتخذتها هذه الدول لضمان حقوق الإنسان لشعوبها. غير أنّ لجنة الأمركيتين لا يمكنها أن تقبل شكاوي فردية أو جماعية في صورة انتهاك الحق في الغذاء لأنّ دول القارة الأمريكية لم ترغب في الاحتياط من هذه الإمكانية. ووحدها الحقوق السياسية والمدنية المحمية من طرف الاتفاق الأمريكي حول حقوق الإنسان يمكن عرضها على اللجنة (وعلى محكمة الأمريكيتين لحقوق الإنسان) وهو ما لا ينطبق على حق الغذاء المحمي من طرف برتوكول سان سالفادور.
إنّ السبيل الوحيد أمام ضحايا انتهاك الحق في الغذاء لرفع الدعوى إلى لجنة الأمريكيتين هو استغلال الحقوق المدنية والسياسية لاحترام هذا الحق. وهذا ما وقع سنة 1990 عندما قُدّمت إلى اللجنة عريضة باسم الشعب الهواراني وهو من السكان الأصليين يعيش في إقليم لوريانتي بالإكوادور،وقد أكّدت العريضة أنّ أنشطة الاستغلال البترولي لشركة بترو-اكوادور الوطنية وتكساكو تلوث المياه التي يستخدمها السكان للشرب والطبخ و تلوّث كذلك الأراضي المستغلّة لتوفير الغذاء. وفي نوفمبر 1994 قامت لجنة الأمريكيتين بزيارة إلى الإكوادور إثر نشر مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالولايات المتحدة تقريرا. وانتهت اللجنة في تقريرها الختامي الصادر سنة 1997 إلى أنّ الوصول إلى المعلومة والمشاركة في أخذ القرارات والالتجاء إلى الطرق القضائية (إذن الحقوق المدنية والسياسية) لم يتمّ ضمانها للشعب الهواراني، وأنّ الأنشطة البترولية في الإكوادور لم تقنّن بالكيفية اللازمة لحماية السكان الأصليين. فكان أن غادرت شركة تكساكو الإكوادور تماما كما فعلت شركة شال في نيجيريا.
اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية
تراقب اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية مدى احترام الميثاق الاجتماعي الأوروبي. ويجب على كلّ الدول المصادقة على الميثاق الاجتماعي الأوروبي أن تقدّم إلى اللجنة تقارير حول الإجراءات التي اتّخذتها لتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها. وأصبح، منذ تبنّي البروتوكول الإضافي للميثاق الاجتماعي الأوروبي سنة 1995، من الممكن أن تقدّم مجموعات من المنظمات غير الحكومية أو النقابية أيضا مطالب جماعية متعلقة بانتهاك الحقوق المعترف بها في هذا الميثاق. إلاّ أنّه من غيرالممكن رفع أيّ دعوى فردية، وبما أنّ الحقّ في الغذاء غير منصوص عليه في الميثاق الاجتماعي الأوروبي (انظر الجزء الثاني من هذه الوثيقة) فإنّه لا يمكن أن ترفع إلى اللجنة أيّّ دعوى جماعية تتعلق بانتهاكات الحق في الغذاء. وقد تمّ منذ 1998 رفع عشر قضايا جماعية متعلقة بانتهاكات الحقوق الاجتماعية ولا تتعلّق أيّ واحدة منها بالحقّ في الغذاء.
آليات المراقبة على الصعيد الدولي
لا توجد على الصعيد الدولي آليات مراقبة قضائية لحماية الحق في الغذاء مع العلم أنّ لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة، والمكلّفة بمراقبة وحماية وتحقيق الحق في الغذاء المعترف به من طرف الدول في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مازال تفتقر إلى بروتوكول اختياري يسمح لها برفع دعوى في حال انتهاك هذه الحقوق ومنها الحق في الغذاء. ورغم ذلك، يمكن لهذه اللجنة أن توجّه مطالب إلى الدولة المعنيّة أثناء اختبار التقرير الذي تقدمه تلك الدولة (انظر ما سيأتي). ومن جهة أخرى يوجد مقرّر خاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء مكلّف بتقديم تقارير إلى لجنة حقوق الإنسان وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلّق بتحقيق وانتهاكات الحق في الغذاء في العالم. ويمكن لهذا المقرّر أن يقوم بمهامّ في البلدان وأن يرفع دعوى ضد الحكومات في صورة حصول انتهاكات لحق الغذاء (انظر ما سيأتي).
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
إنّ المهمّة الرئيسية للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أحدثها المجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة 1985 هي مراقبة تطبيق الدول الأعضاء العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تتركب اللجنة من 18 عضوا هم خبراء ذوو كفاءة في مجال حقوق الإنسان مشهود لهم بها. وهم مستقلون ويؤدون وظيفتهم باسمهم الشخصي لا باعتبارهم ممثّلين للحكومات. ويقع انتخاب هؤلاء الأعضاء من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمدّة أربع سنوات ويمكن تجديد دورتهم.
إنّ الدولة المصادقة على هذا العهد تتحمّل رسميا مسؤولية الإيفاء بكل الواجبات القائمة المنوطة بعهدتها وأن تؤمّن، وهي صادقة النوايا، تساوق القوانين الوطنية مع الواجبات الدولية. وتبعا لذلك فإنّ الدول، وقد صادقت على الوسائل الخاصة بحقوق الإنسان، تصبح مسؤولة أمام المجموعة الدولية وأمام الدول الأخرى التي صادقت بدورها على نفس النصوص وهي مسؤولة كذلك أمام مواطنيها وكلّ المقيمين بأراضيها.
تتعهّد الدول المصادقة على العهد ، كما ينص على ذلك الفصلان السادس عشر والسابع عشر من العهد،بأن تقدّم إلى اللجنة في ظرف سنتين من بدء العمل بهذا العهد بالنسبة إلى الدولة المعنية وفي كلّ خمس سنوات بعد ذلك تقارير دورية تبيّن الإجراءات ذات الطابع التشريعي والقضائي والسياسي ومختلف الإجراءات الأخرى التي اتخذتها لضمان الانتفاع بالقوانين المنصوص عليها في العهد. ويرجى من تلك الدول كذلك أن توفّر معلومات مفصّلة حول مدى تنفيذ القوانين وحول الصعوبات التي تواجهها والمعلقة بذلك التنفيذ.
تختتم اللجنة اختبار هذه التقارير إثر الانتهاء من تحليلها بحضور الدول المصادقة على العهد بصياغة "ملخّصات" تتضمّن قرار اللجنة حول احترام العهد في الدولة المصادقة عليه.
إنّ دور منظمات المجتمع المدني على امتداد كل المسار، ابتداء من تقديم التقرير وصولا إلى متابعة المطالب، دور أساسي، إذ يمكن لهذه المنظمات أن تقدّم إلى اللجنة تقارير بديلة تتعلّق بانتهاكات الحق في الغذاء كما يمكنها أن تأخذ الكلمة أمام اللجنة وأن تحضر النقاش الدائر بين ممثّلي الدولة وأعضاء اللجنة والعمل على ضمان متابعة توصيات اللجنة على المستوى الوطني عن طريق الضغط من أجل أن تحول الدولة هذه التوصيات إلى تحسين ملموس في حياة السكان المضطهدين في تلك البلاد.
إنّ الخواص والمجموعات الذين يقدّرون أنّ حقوقهم تعرضت إلى انتهاك أحكام العهد ليس لديهم حاليا إمكانية تقديم شكاوي شكلية إلى اللجنة.ويمثّل عدم وجود إجراء إزاء ذلك يحدّ كثيرا بالنسبة إلى اللجنة من إمكانية رفع دعوى قضائية، ومن البديهي أن يحدّ جدّيا من أن يحظى ضحايا هذه الانتهاكات بتحقيق إصلاح على المستوى الدولي.
كوّنت لجنة حقوق الإنسان حديثا فريق عمل "مكلّف بدراسة الخيارات المتاحة الخاصة بإنشاء مشروع بروتوكول اختياري مطابق للعهد."
المقرّر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء
يعتبر المقرّر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء آلية أنشأتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد تمّ في سنة 2000 تسمية السيّد جان زيغلر أستاذ علم الاجتماع بجنيف في هذا المنصب وتمّ في أفريل 2003 تجديد دورته مدّة ثلاث سنوات أخرى إضافية.
تتوفّر لدى المقرّر الخاص قصد ترقية الحق في الغذاء ثلاث وسائل :
  1. أن يقدّم أمام لجنة حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة تقارير عامة ومهتمة بأغراض محددة حول الحق في الغذاء.
  2. أن يقود مهام ميدانية تهدف إلى مراقبة احترام الحق في الغذاء في البلدان التي يزورها.
  3. إرسال بلاغات عاجلة إلى الحكومات تشهّر بحالات محدّدة انتهك فيها الحق في الغذاء.
ويستند المقرّر الخاص في اعتماد هذه الوسائل الثلاث إلى عمل منظمات المجتمع المدني غير الحكومية. ويعتبر المقرّر الخاص آلية مراقبة مهمّة للغاية لأنّها آلية يعدّ الوصول إليها أمرا يسيرا جدا إذ يمكن أن يكون ذلك حتى عبر رسالة إلكترونية أو عن طريق رسالة بريدية (انظر الملحق عدد8).
وكانت المواضيع التي اهتمّ بها المقرّر الخاص في تقارير شديدة التنوّع، إذ درس على سبيل المثال إنصاف الحق في الغذاء والعلاقات بين الكفاح من أجل الحق في الغذاء والنضال من اجل السيادة الغذائية كما اهتم بدراسة العلاقات بين النضال من أجل الحق في الغذاء ومقاومة الصيادين التقليديين تعميم الصيد البحري المكثف والصناعي والعلاقات بين الحق في الغذاء واللامساواة في تحرير التجارة وبين الحق في الغذاء والوصول إلى العدالة وبين الحق في الغذاء وضرورة الإصلاح الزراعي وبين الحق في الغذاء والوصول إلى المياه بالنسبة إلى النساء خصوصا وبين الحق في الغذاء وضرورة مراقبة أنشطة الشركات العابرة للقوميات أو 
كذلك العلاقات بين الحق في الغذاء والقانون الدولي الإنساني لحماية السكان الأكثر هشاشة في فترات النزاع المسلّح.


وقد زار المقرر الخاص إلى حدود اليوم كلّ من النيجر والبرازيل وبنغلادش والأراضي الفلسطينة المحتلّة وأثيوبيا ومنغوليا وغواتيمالا. والتقى أثناء زيارات العمل هذه بعدد كبير من الحركات الاجتماعية في العواصم أو أثناء تنقلاته على الميدان. وقدّم إثر ذلك تقارير زيارات العمل المتعلقة بمدى احترام الحق في الغذاء في كلّ بلاد زارها. وقد تضمّنت هذه التقارير العديد من التوصيات الموجّهة إلى الدول. وقد أصدر المقرّر الخاص كذلك توصية إلى الحكومة البرازيلية تأمر بالإسراع في الإصلاح الزراعي دون شروط وتوصية إلى الحكومة البنغالية تطلب إنهاء التمييز ضدّ النساء ولاسيّما فيما يخص الحصول على الأراضي. واصدر توصية أخرى إلى الحكومة الإثيوبية طالبا منها تمنح تفضيل - في مدّة غير محدّدة - المساعدة على التنمية على المساعدة الغذائية فقط. وقد عرضت هذه التوصيات على لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ويمكنها أن تكون أداة هامّة للحركات الاجتماعية المحلية التي التقت المقرّر الخاص لأنّها غالبا ما تكون توصيات مطابقة لمطالبهم الخاصة.
وأخيرا، فإنّ المقرّر الخاص يرسل بلاغات تشهيرية عاجلة إلى الحكومات متعلقة بحالات محدّدة لانتهاك الحق في الغذاء وغالبا ما يتصرّف على قاعدة المعلومات التي يتلقّاها من المنظمات غير الحكومية التي لها نظام أساسي استشاري لدى الأمم المتحدة غير أنّه يمكن أن تقدّم له من طرف أيّ شخص أو منظمة ويقرّر التحرّك إذا ما قدّر أنّ الحق في الغذاء مهدّد. وغالبا ما تبقى بلاغات التشهير العاجلة سرية إلاّ أنّه إذا لم يتلقّ المقرّر الخاص ردودا يمكنه إدانة الحكومة المعنية علنا مثلما فعل ذلك مثلا في وسائل الإعلام عندما أدان طرد الصين " لاجئي الجوع " الكوريين الشماليين.
خلاصة
إنّ الحقّ في الغذاء كما بيّنت ذلك المعلومات الواردة في هذه الوثيقة لهُوَ حق إنساني معترف به على الصعيد الوطني والدولي والإقليمي. وباعتباره حقّا، فإنّه يجب احترامه وتحقيقه. ولكن رغم ذلك فإنّه في الواقع ليس حقا محترما ومحقّقا فقط بل كثيرا ما يتمّ انتهاكه. وإذا كان التاريخ يعلّمنا أنّه من الضروري النضال من أجل الحصول على الحقوق فإنّه يعلّمنا كذلك أنّه 
علينا الكفاح من أجل تحقيقها. إنّنا نأمل أن تكون هذه الوثيقة مفيدة للحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية والمواطنين الذين يخوضون تعبئة من أجل احترام هذا الحقّ وتطبيقه.




دعوة إلى النقد والتعليق
إنّ كلّ تعليق ونقد لهذه الوثيقة أمر مرغوب فيه من أجل تحسين الوثائق التي ستصدر في هذه السلسلة.
شكرا لكم على إرسالها إلى مركز أوروبا العالم الثالث.