dimanche 25 janvier 2015

درس من اليونان : بالإمكان تحويل الحلم إلى واقع .. !

في خضمّ تواتر أحداث وأخبار حزينة هذه الايام تهلّ علينا بشائر الأمل والنصر من اليونان. فقد فاز حزب سيريزا، الحزب اليساري العمالي، في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. وتشير التقديرات الأوّلية إلى تقدّم سيريزا بأكثر من 36 بالمائة من أصوات الشعب اليوناني وهي نتيجة ستمكّنه من حكم اليونان وتنفيذ برنامجه المعادي لسياسات التقشف التي عاني منها اليونانيون كثيرا طيلة ما يقارب عقدا من الزمان.

إنّ هذا الانتصار حدث تاريخي بكل المقاييس ففضلا عن انتصار إرادة الشعب اليوناني وطليعته المناضلة ضد الترويكا (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي والاتحاد الاوروبي بقيادة حكومة ألمانيا الليبرالية خصوصا) والاحزاب اليونانية اليمينية، يأتي انتصار سريزا بعد هزائم متتالية للقوى اليسارية والعمالية في أوربا. انتصر حزب سريزا رغم المناورات الكثيرة ضد وصوله للسلطة اذ سبق لكرستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي أن صرحت بأنّ " صندوق النقد جمّد قسط التمويل المخصص للإنقاذ" وأنّ خيار الذهاب الى انتخابات مبكرة من شأنه أن يعطل مسار الاصلاح والإنقاذ. وصرحت ميركل المستشارة الألمانية " أنّه في صورة انتصار سريزا فإنّ اليونان ستخرج من منطقة الاورو" في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي سيواصل ضغوطه على الحكومة اليسارية الجديدة في اليونان.

ما كان لهذا الانتصار أن يتحقق لولا وضوح الخط السياسي لسريزا منذ نشأته والذي أكّد عليه في حملته الانتخابية وهو معارضة سياسة التقشف ومختلف الاجراءات والشروط الليبرالية المملاة من الترويكا. وقدّم سريزا للشعب اليوناني الذي أنهكته السياسات الليبرالية برنامجا بديلا يرتكز على الدفاع عن السيادة الشعبية والوطنية ومقاومة ديكتاتورية المديونية (سبق أن كان لسريزا حضور مميز في الملتقى المتوسطي لمقاومة ديكتاتورية المديونية الذي نظمته الجبهة الشعبية بتونس في مارس 2013) وتقديم إجراءات اقتصادية واجتماعية عاجلة للفئات الشعبية المنهكة التي كانت أبرز ضحايا سياسة التقشف طيلة حوالي 6 سنوات.

لا شكّ أنّ أهمية هذا الانتصار وثماره تتجاوز حدود اليونان، إذا لأوّل مرة يصل حزب معاد للرأسمالية إلى السلطة في أوربا الغربية، مهد الرأسمالية ومعقلها وهو ما سيكون له تأثير أكيد على عموم المنطقة بدءا بإسبانيا التي تشير فيها استطلاعات الرأي إلى تقدم واضح لحزب بوديمس Podemes في الانتخابات المبرمجة في سنة 2016. إنّ هذا الانتصار السياسي وتنفيذ البرنامج البديل سيتجاوز تأثيره جنوب أوروبا وقد يمثّل بداية منعطف تاريخي عموم المنطقة كما يحصل الأمر في جنوب القارة الأمريكية.

إنّ انتصار سيريزا اليوم لدرس سياسي بليغ ومهم جدا لكل القوى والأحزاب العمالية والثورية وخصوصا للجبهة الشعبية في تونس. فلقد كان تأسيس حزب سريزا رفضا وتجاوزا لخيانة الاشتراكية الديمقراطية وخيبات الأحزاب الشيوعية التقليدية ليكون في طوره الأول جبهة سياسية جمعت مجموعة من الأحزاب اليسارية ليتحول لاحقا (سنة 2012) إلى حزب موحّد. وفضلا عن الدرس التنظيمي الذي وجب على كل رفاقنا في الجبهة الشعبية الاستفادة منه يقدّم لنا انتصار سريزا درسا آخر وهو وضوح الرؤية السياسية وتماسك الموقف وعدم التردد في معارضة سياسة التقشف ومعاداة وصفات المؤسسات المالية الدولية والاقليمية المسمومة.
على رفاقنا في اليسار التونسي أن يستفيدوا من هذه التجربة الملهمة وأن يتجاوزوا التردد السياسي والخلافات الايديولوجية و"المذهبية" ببناء اطار تنظيمي متين ومتجذر في الحركة الشعبية ومتسلح ببرنامج يقطع بوضوح مع سياسة التقشف ووصاية الدائنين ومستند إلى السيادة الشعبية. إنّه علينا أن نبرهن لشعبنا بوضوح أنّه هناك طريق آخر ممكن وأنّه من العاجل والضروري أن نبدأ السير فيه فورا.

إنّ الدرس اليوناني المقدم من سيريزا ينضاف إلى درس انتفاضة 17 ديسمبر - 14 جانفي وهو أنّه طالما أنّ الحركة الثورية والانتفاضة الشعبية تفتقد إلى اطار سياسي وتنظيمي قوي فإنّ الطريق تبقى مفتوحة أمام الثورة المضادة وهو ما نحن بصدده في السنوات الأخيرة.

إنّ النضالات لا تفشل إلاّ حين نرفض خوضها بالطريقة التي يجب أن تخاض بها..   !


تونس، 26 جانفي 2015

vendredi 2 janvier 2015

تونس والاتحاد الاوروبي : القرض المسموم



بعد أن وقّعت حكومة الترويكا في منتصف شهر افريل 2013 على اتفاق مع صندوق النقد الدولي يمنح بمقتضاه هذا الاخير قرضا لتونس بقيمة 1.75 مليار دولار، توجّهت الحكومة إلى الاتحاد الاوروبي بطلب الحصول على قرض بـ 500 مليون أورو يكون جزءا منه في شكل هبة. غير أنّ اللجنة الاوروبية تقدّمت إلى البرلمان الاوروبي والمجلس الاوروبي باقتراح يتلخص في تقديم "مساعدة ماكرو-مالية لتونس " لا يتجاوز حجمها الأقصى حدود 250 مليون اورو. ونصّ الاقتراح كذلك على ألآ يكون جزء من هذا القرض هبة باعتبار أن تونس لا تلبى شروط جدارتها بالحصول عليها في اطار برنامج "المساعدة الماكرو - مالية" وأوصت اللجنة أيضا أن يكون القرض متوسط المدى.
وجدير بالتنويه أنّ  الاتحاد الاوروبي وافق على على تقديم قرض للحكومة التونسية قدّر بـ 300 مليون أورو سيتم عرضه على البرلمان الاوروبي يوم 16 أفريل القادم للمصادقة عليه. ويتنزّل هذا القرض في اطار شراكة دوفيل التي تمّ إطلاقها أثناء قمة مجموعة الثماني في دوفيل(فرنسا)  يومي 26 و27 ماي 2011، ويندرج أيضا في اطار ما يسميه الاتحاد الاوروبي بـ "السياسة الجديدة للجوار". وقد وضعت الحكومة التونسية والاتحاد الأوروبي عبر اللجنة الأوروبية هذا القرض الذي تسميه "مساعدة ماكرو اقتصادية لتونس (هكذا !) في اطار برنامج التعديل الهيكلي الذي ضبطه صندوق النقد الدولي وحزمة الشروط والإجراءات التي أمضت عليها حكومة الترويكا. وقد حدّد الاتحاد الاوروبي بدقّة أهداف هذا القرض كما يلي :
- "مساعدة تونس على تغطية جزء من الاحتياجات المتبقية للتمويل الخارجي في سنتيْ 2014 و2015.
- " يسمح هذا القرض بـالتقليص من عبء عجز ميزان الدفوعات وما تعانيه الميزانية في الظرف الحالي وهو ما من شأنه أن يضعف الاقتصاد في المدى المنظور"
ولم يفت الاتحاد الأوروبي وهو يضبط أهداف هذا القرض، الإشارة إلى أنّه من شأنه أن يساعد تونس على تسهيل تنفيذ برنامج التعديل الهيكلي والإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتوجيهات التي تفرضها عديد الهيئات التابعة للاتحاد الاوروبي (برنامج المساعدة على الانتعاش ألاقتصادي برنامج المساعدة على الشراكة ...الخ)
ورغم ما يتردّد بكثرة في وسائل الإعلام المختلفة من تصريحات متكرّرة عن ضرورة  مساعدة تونس وثورتها ووقوف الاتحاد الاوروبي مع الشعب التونسي في طريقه من أجل الديمقراطية والازدهار وما شابه ذلك من بديع الكلام ونبل المعاني، فإنّ الاتحاد الاوروبي يعتبر أنّ هذا القرض لا يمكن أن يكون جزء منه هبة ويسمّيه في نفس الوقت "مساعدة ماليّة".
إنّ هذا القرض متلائم مع الشروط السياسية والاقتصادية التي تطلبها المؤسسات المالية الدولة والاتحاد الأوروبي وهي شروط عبّر عنها برنامج التعديل الهيكلي الممضى من طرف حكومة النهضة وحلفائها مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وهو متلائم كذلك مع الإطار السياسي والاقتصادي العام لشراكة دوفيل. وهكذا اختارت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ جانفي 2011 السير في نفس الطريق الذي رفضته الانتفاضة الثورية والإذعان لمصالح الرأسمال الاجنبي مديرة ظهرها لطريق السيادة والكرامة.
إنّ الاتحاد الاوروبي وهو يقدّم مبررات هذا القرض وأهدافه لا يقف عند حدود التلاؤم مع المؤسسات المالية والسياسية الدولية فقط بل يحمّل المسار الثوري في تونس مسؤولية تدهور الظرف المالي والاقتصادي العام وارتفاع نسبة البطالة. إنّه يغلّف سياساته إزاء تونس بخطاب إنساني وديبلوماسي غير أنّه في جوهره خطاب ايديولوجي تضليلي يروم إبعاد الشبهة عن سياساته وسياسة المؤسسات المالية الدولية التي طبقتها حكومات تلميذهم النجيب ابن علي باعتبار أنّ هذه السياسات النيوليبرالية هي التي ثار عليها الشعب التونسي ورفضها بقوة بحثا عن سبيل آخر يضمن له الكرامة والسيادة.
يشترك الاتحاد الاوروبي المؤسسات المالية العالمية والحكومة التونسية في مختلف الوثائق والتصريحات الصادرة عنهم في قولهم إنّه من الضروري تجاوز الازمة المالية والاقتصادية الخانقة التي غرقت فيها تونس بعد جانفي 2011. وتخوض حكومة مهدي جمعة في المدة الأخيرة حملة إعلامية تنذر التونسيين بأنّ بلادهم على حافّة الإفلاس وأنّه لا سبيل للخروج من المأزق عدا القبول بسياسة التقشّف المؤلمة. إنّهم يتفقون في وبكلّ دوغمائية في أنّ وصفة العلاج تتضمّن دوائيْن : المزيد من استهداف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية واللجوء المفرط إلى التداين. وتعلّل الحكومة هذه الوصفة -وهي في ذلك متّفقة مع تشخيص الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي-  ببقاء نسبة النمو الاقتصادي منخفضة وبتقلّص حجم الاستثمار الاجنبي المباشر بشكل كبير حيث كان في سنة 2013 اقل بــ 40 بالمائة ممّا هو متوقع في برنامج صندوق النقد الدولي وبلوغ عجز الحساب الجاري للدولة في نفس السنة حوالي 8.7 بالمائة وشهدت سنة 2013 كذلك اختلالا كبيرا في ميزان الدفوعات (750 مليون دولار) إضافة الى التقلّص الواضح في احتياطي العملة الصعبة المودع لدى البنك المركزي...
إنّ الترويكا (صندوق النقد والاتحاد الاوروبي والحكومة التونسية) لا تُنكر عمق هذه الأزمة لكنّها تتمادى في انتهاج نفس السياسة التي أدّت إلى الأزمة مقدّمة إيّاها على أنّها العلاج الوحيد والأنجع لها. إنّهم يقدّمون أنفسهم كطبيب ذي خبرة وكفاءة عالية لكنّهم في حقيقة الأمر لا يعدوا إلاّ أن يكونوا مجرد مشعوذ ورعواني محتال. إنّ السياسات النيوليبرالية وإغراق تونس في التداين ليس -ولن يكون- العلاج المناسب. فارتفاع النموّ في ظل المنوال الحالي لتوزيع الثروة, محليا وعالميا لن يغيّر من الواقع شيئا وعجز الموازنة وميزان الدفوعات يمكن معالجته بإجراءات أخرى كتعليق سداد ديون الديكتاتورية أمّا تقلّص احتياطي العملة الصعبة فهو لا يمثّل خطرا كبيرا على أغلب الفئات الشعبية التونسية وإنّما هو خطر حقيقي على ترحيل الرأسمال الاجنبي للثروة من تونس في اتجاه الخارج سواء تحت عنوان خدمة الدين أو مرابيح الاستثمار الأجنبي أو هروب رؤوس الاموال المحلية الكبرى خارج تونس. وبذلك فإنّ التلويح المستمرّ بانخفاض عدد أيّام التوريد نظرا لانخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة لا يعدو إلاّ أنّ يكون ايهاما بأنّ إفراط التونسيين في الاستهلاك وارتفاع حجم الواردات هو سبب نزيف العملة الصعبة في حين أنّ أغلب المبالغ من العملة الصعبة تعود من حيث أتت! (قرابة 85 بالمائة من الديون العمومية الخارجية بعد 14 جانفي 2011 خصّصت لسداد ديون الديكتاتورية).
إنّ التمادي في التداين من أجل سداد ديون الديكتاتورية جريمة في حقّ الشعب التونسي، هي جريمة يشترك فيها الفاعل والمموّل. فكما كان الاتحاد الاوروبي والمؤسسات المالية الدولية متواطئة مع سلطة ابن علي ومموّلة لنظامه، فإنّهم اليوم يواصلون نفس التواطؤ مع جميع حكومات ما بعد 14 جانفي ضمانا لاستمرار النزيف المالي واحتواء المسار الثوري في مرحلة اولى (تداين مفرط لسداد ديون الديكتاتورية) وإجهاضه نهائيا في مرحلة لاحقة ( تركيز سياسة التقشف وزيادة الإفراط في التداين لسداد الديون الجديدة). يضاف إلى ذلك شروط قاسية جدا ومكلفة ماليا واجتماعيا تتحمّل أعباءها الفئات الشعبية وهي شروط جعلتنا ننعت قرض الاتحاد الاوروبي بكونه قرضا مسموما وسنحاول فيما يلي تلخيص هذه الشروط في النقاط التالية :
- استشارت اللجنة الاوروبية صندوق النقد الدولي والبنك العالمي قبل أن تعلن مصادقتها على القرض باعتبارهما وضعا مخططا للتعديل الهيكلي وأنّهما من أهمّ دائني الحكومة التونسية.
- تبرّر اللجنة الأوروبية هذا القرض بأنّ تونس تشهد نقصا في احتياطي العملة الصعبة رغم قرض صندوق النقد الدولي وبالتالي يهدف قرض الاتحاد الأوروبي إلى التخفيف من عجز ميزان الدفوعات. إنّ هذا التبرير يكون مقبولا للغاية إذا نظرنا إليه من زاوية مصالح الرأسمال الأجنبي غير أنّه في الحقيقة هو المسؤول الرئيسي عن عجز ميزان الدفوعات، تلك الايقونة العزيزة على صندوق النقد الدولي وسياساته. أمّا إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية نظر مصالح غالبية الشعب التونسي فإنّ هذا القرض، وبتلك الشروط سيتبخّر كما تبخّرت مبالغ القروض السابقة في سداد خدمة دين كريه وغير شرعي وتحويل لمرابيح الاستثمار الأجنبي إلى العملة الصعبة. فالتوازن المالي والاستقرار الاقتصادي المنشود كهدف مزعوم ما هو في حقيقة الأمر سوى سراب طالما وضعت له هذه الخطط ورسمت له مثل هذه السياسات.
- يضع الاتحاد الأوروبي في صدارة شروطه التي يطلبها من الحكومة التونسية ما يسمّيه "الشرط  المسبق" : "احترام تونس للآليات الديمقراطية الناجعة وسلطة القانون ونظام برلماني تعددي واحترام حقوق الإنسان..."
إنّه حقّ أريد به باطل فمثل هذه القيم والأهداف طالما جعلها الاتحاد الاوربي في صدارة تقاريره واتفاقياته مع الديكتاتورية (الفصل الثاني من اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي مثلا) ولكنّه لم يتوان عن تقديم الدعم الكامل للاستبداد، فلا حاجة للشعب التونسي إلى مَن يعلّمه هذه المبادئ النبيلة التي ضحّى من أجلها وقدّم في سبيلها شهداء بررة. وتضيف اللجنة ألاوروبية في أعقاب الفقرة التي تحدّد فيها هذا الشرط المسبق أنّها ستراقب مدى التزام الحكومة التونسية به وبالأهداف المرسومة لهذا القرض وهي في ظاهرها كلام عام لا يثير الشبهة ولكنّها في جوهرها من صميم سياسة التقشف فماذا تعنى عبارات من قبيل " تعزيز نجاعة التصرف في المالية العمومية وشفافيتها ودعم الاصلاحات الهيكلية "..الخ غير تعميق السياسات النيوليبرالية في تونس.
- ستراقب اللجنة الاوروبية صرف هذا القرض ومدى ملائمة المبالغ المتحصّل عليها لاتفاق الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي والترتيبات المتّفق عليها بينهما. وأن يكون كذلك متلائما مع " المبادئ والأهداف الأساسية للإصلاحات الاقتصادية التي ينص عليها اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي وخطة عمل الاتحاد الاوروبي المخصصة لتونس في الفترة المتراوحة بين 2013 و2017."
- يشترط الاتحاد الاوربي على تونس توقيع بروتوكول اتفاق يتضمّن روزنامة احترام مختلف الشروط المنصوص عليها في اتفاقية القرض.والمتعلّقة بالتعديل الماكرو - اقتصادي والإصلاح الهيكلي التي نصّ عليها كذلك صندوق النقد الدولي.
فماذا تعني هذه الشروط عمليا؟ وما الذي تقصده اللجنة الاوروبية بالاصلاح الهيكلي والتعديل الماكرو اقتصادي؟
يعني ذلك تلاؤم هذه الشروط مع الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي. وهو ما تذكره اللجنة الاوروبية صراحة إذ يتعلق الأمر ب :
1- إعادة رسملة البنوك العمومية عبر آلية التداين (قرضان بـ 500 م. د لكل واحد) والحال أن المسؤولين التدهور المالي في هذه البنوك لم يتمّ تتبّعهم قانونيا فضلا عن ضخّ مبالغ طائلة من الأموال العمومية في مسار إعادة الرسلمة، ثم إنّ صندوق النقد الدولي يأمر ببقاء نتائج التدقيق في البنوك العمومية الثلاث سريا..
2- تجميد الأجور أو على الأصح تخفيض الأجور الحقيقية باعتبار تواصل ارتفاع نسبة التضخّم.
3-تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية والاستثمار العمومي في وقت ما فتئت فيه نسبة البطالة ترتفع بنسق جنوني ولا سيما في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.
4- خفض ميزانية دعم المحروقات والمواد الأساسية كخطوة أولية نحو إلغائه نهائيا بتعلّة تقديمه لمن هو في حاجة إليه حقيقة في حين أن عددا كبيرا من الأسر تدهورت ظروفها المعيشية بشكل لافت. ومثّل صندوق التعويض بالنسبة إلى الفقراء الواقي من الانزلاق نحو الفقر المدقع.
5- مراجعة قوانين الجباية بتخفيض الأداء على مرابيح رأس المال وإثقال كاهل الأجراء وهو إجراء معاد لمطلب العدالة الجبائية مقاومة والتهرب الضريبي.
يمكننا اختزال التعليق على هذا الشروط بالقول إنّ هذه السياسات ستزيد الفئات الشعبية تضررا منها وستعمّق من الازمة الاجتماعية وإنّ الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي والحكومة التونسية،التي قبلت بشروطهما، يقدّمون نفس الوصفات التي اكتوى التونسيون بنارها ورفضوها بكل قوة في انتفاضتهم الثورية.  فالاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي ينتهزان فرصة الازمة التي فجّرها المسار الثوري لقطع الطريق أمام الشعب التونسي لمصادرة سيادته وتعطيل مسار بحثه عن بدائل أنجع فعلا تضمن له تحقيق مصالحه وما يرنو إليه من استقلال وكرامة. إنّ الاتحاد الاوروبي بهذه الشروط والتدخّل في السياسات المالية والاقتصادية لتونس يعمل جاهدا على تركيز كومسيون مالي جديد في تونس مع الفرق أنّ كومسيون القرن الجديد يعدّ 25 دولة بدل ثلاث وأنّ مَن يورّط البلاد في هذه الاتفاقيات يرفع لواء الجمهورية والثورة بعد أن كان سلفهم سلطانا من سلاطين البايات!
مختار بن حفصة
أفريل 2014