lundi 23 octobre 2017

أطروحة أكتوبر!

هناك قسم كبير من قوى اليسار في تونس وعموم العالم، يدعو إلى الترفيع في نسبة الضريبة الموظفة على أرباح رأس المال – أو إحداث ضريبة، دائمة أو مؤقتة، على الثروات الكبرى للبرجوازية أو ما شابه ذلك من الإجراءات – ويقدّم هؤلاء اليساريون هذا المقترح كإجراء يروم تحقيق العدالة الجبائية وتحسين الظروف الاجتماعية بصفة عامة. إنهم يقترحون ذلك دون ربطه بمسألة المديونية خصوصا في عصرنا الراهن الذي يمثل فيه سداد الدين عبئا ثقيلا بسبب ما يشهده حجم التداين من ارتفاع مشط وسيطرة الرأسمالية المالية. إنّ انعدام الوعي بهذا الترابط العضوي بين المسألتين يجعل الاقتراح اليساري، دون إدراك منه، داعما للأيديولوجية الليبرالية التي يقوم جوهرها على ضمان ديمومة الربح وزيادته عبر ترحيل الثروة من الأسفل نحو الأعلى ومن الطرف إلى المركز، بمعني أنّ تلك القيمة المالية الإضافية المتأتية من الضرائب الجديدة ستوظف في سداد الديون العمومية وهكذا نجد أنفسنا في الدائرة نفسها والحال أنّنا كنا نريد الخروج منها.
لنفترض الآن أنّ هذه القوى اليسارية أخذت مقاليد السلطة السياسية التي ستمكّنها من تنفيذ برنامجها دون الربط بين مختلف الإجراءات المتعلقة بالموارد المالية ومسألة المديونية. فماذا سيحصل؟
ستكون الخسائر جمّة!
سنجد، إضافة إلى تلكؤ الاشتراكيين الزائفين في تهديد مصالح الرأسماليين ونظامهم، عجزا تامّا في تحسين الظروف الاجتماعية - بجميع أبعادها- للفئات الشعبية وسنجد حكّاما يساريين فاشلين وسيصيب رؤوسهم الصداع وهم واقفون حائرين سائلين : البرنامج يساري والواقع لا يتغيّر بل تتفاقم فيه الأزمة!
أمّا البرجوازية وأحزابها وعلمائها الاقتصاديين سيجدون مضامين لخطبهم وما به يحبرون كتبهم ومقالاتهم وسيلوحون بحجج تبدو قوية ظاهريا. سيقولون لنا : انظروا إلى اليسار ماذا فعل لكم؟ هل تحسّنت أوضاعكم؟ إنّ اليساريين ليسوا سوى مخادعين يشترون السلطة بإظهار التعاطف مع عذاباتكم، انظروا مثلا إلى اليونان وحكومة سيريزا...وطبعا ستعود البرجوازية إلى السلطة في أوّل منعطف لتنفذ سياساتها براحة أكبر ممّا مضى.
إنّ هذه الأطروحة لا تدعو طبعا إلى إلغاء رفع الضريبة على أرباح رأس المال وما شابه وتعالق مع ذلك من إجراءات أخرى. وليس هدفها كذلك بيان تهافت هذا التمشّي مطلقا ولكنها تنوّه إلى مسألة دقيقة وهي أنّ هكذا إجراء لا جدوى منه إن لم يكن مرافقا بمراجعة جذرية لمسألة الديون بدءا بالتدقيق ووصولا إلى إلغائها باعتبارها غير شرعية لأنّه بانعدام الوعي بهذا البعد العضوي والمركّب للقضية نضيّع باليسرى ما نأخذه باليمنى فعوض أن تخصص المبالغ المتأتية من تضريب رأس المال لمعالجة حاجيات اجتماعية وثقافية وبيئية عاجلة تتبخر لتصل جيوب رأس المال من جديد
حقا إنّ المديونية هي عَصَب النظام الرأسمالي المعاصر وعموده الفقري!

مختار بن حفصة
تونس في 23أكتوبر 2017