lundi 11 avril 2016



ما يجب أن يقال عن الإرهاب




لا شكّ أنّ التهديدات والعمليات الإرهابية ليست عملا فرديا لأشخاص محبطين أوهي عمل صادر عن مجموعات صغيرة تسعى إلى تحقيق بعض المنافع عن طريق العمل الإرهابي بل إن الإرهاب هو صناعة أو عبارة عن مجمع كبير لشركات متعددة الجنسيات وعابرة للقوميات لها فروع متخصصة ومتشعبة وحضورا قويا في مختلف القطاعات والبلدان ولها أيضا خطط محدّدة للتدخل والتحرك واستراتيجات دقيقة وتكتيكات متغيّرة باستمرار. وليس من المغالاة في شيء القول إنّ دولا ومموّلين كبارا ورجال دين يُحسنون شحن النفوس وتجنيد الأعوان، وراء هذا الاخطبوط الرهيب الذي لا نرى عن إدارته وتخطيطه شيئا لكننا نباغت ونكتوي غالبا بأصوات تفجيراته وقتله للأبرياء في مختلف الأماكن.
واللافت أنّ العمليات الإرهابية تتوزّع هذه الأيام في فضائين وبنسقين وطريقتين مختلفتين : الفضاء العربي الإسلامي وبعض البلدان الافريقية  من جهة وفضاء شنغان الأوروبي من جهة ثانية، ولكنّ الطريقتين تتكاملان وتتعاضدان في السعي نحو تحقيق نفس الهدف أو لنقل الاقتراب أكثر ما يمكن نحو الهدف.
1.       إنّ ما يمّيز العمليات الإرهابية في العديد من البلدان العربية والافريقية هو الهجوم المسلح على الأقاليم والمدن بهدف تركيز نواتات لسلطة المنظمات الإرهابية تكون بمثابة نقطة ارتكاز للتوسع والسيطرة (الموصل، الرقة، تمبكتو، محاولة الاستيلاء على بن قردان..الخ)، هذا إضافة الى عمليات إرهابية خاطفة تستهدف قتل الجنود والأمنيين سعيا إلى استنزاف هذه الأجهزة واستعراض القوة أمام الرأي العام في إشارة واضحة إلى أنّ هذه الأجهزة العسكرية المسلحة غير قادرة على حماية البلاد والمواطنين كما أنّه من المّهم الانتباه إلى نوع آخر من العمليات الاجرامية الفظيعة كالهجوم على المواطنين والقتل الجماعي بدم بارد (هجوم على تجمعات سكنية، نزل...) وهي عمليات هادفة إلى بث الخوف والرعب لدى سائر المواطنين إعدادا للسيطرة النفسية والمعنوية والمادية عليهم إضافة إلى السعي إلى انهاك الاقتصاديات المحلية والوطنية والاقليمية تمهيدا لتفكيك بنى الدول ويتنزّل كل ذلك في اطار ما يسمّى بـ 'إدارة التوحش'...
2.       الملاحظ انّ العمليات الإرهابية في البلدان الأوروبية تتركّز بشكل أساسي في فرنسا وبلجيكا. ونعتبر أنّ اختيار هذين البلدين لم يكن اعتباطيا او ناتجا عن سهولة الاختراق الأمني لهذين البلدين بل الامر مخطط له جيّدا وهو عند الإرهابيين حلقة أساسية في مسار العمل الإرهابي وأهدافه واستراتيجيته المرسومة. ونعتقد أنّه يجب الانطلاق من رصد الخصائص التالية لتلك العمليات وأسلوب العمل الإرهابي في هذين البلدين (وغيرهما) وصولا الى الاستنتاجات المتعلّقة بأهداف هذه العصابات الاجرامية.
-         عمليات دورية مجالها الفضاء العام (مطاعم، محطات مترو، مطارات الخ) وضحاياها مواطنين من مختلف الاعمار والفئات و لم تستهدف مقرات سيادة.
-         عدم التمركز في غابات او جبال - كما هو في البلدان العربية والافريقية – وهو ما يعني عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات المسلّحة في تلك البلدان
-         التخفّي الشديد واعتماد عنصر المباغتة في الهجوم
-         انتداب وتكوين أعوان تنفيذ من أبناء الجاليات العربية والمسلمة تستلب شخصياتهم ويستبطنوا مفاهيم القتل والجهاد والقتل باسم العقيدة
إنّ هذه الخصائص تدفعنا إلى القول إنّ التركيز على فرنسا وبلجيكا (باريس وبروكسال تحديدا) عائد إلى رمزية البلدين في المجال الأوروبي اذ يحتضن البلدان المؤسسات الأكبر والأهم من مؤسسات الاتحاد ولا يخفي البعد الرمزي لذلك. ونجد بالبلدين كذلك عددا كبيرا من المهاجرين المنحدرين من أصول عربية ومسلمة وبالتالي ليس هدف الإرهابيين ومَن يقف وراءهم حاليا السيطرة على المواقع في هذه البلدان بل نزعم أنّ الخطة المرسومة هي دفع الشحن العنصري والكراهية ضد أولئك المهاجرين إلى حده الأقصى والأعنف إلى حدّ يعزلهم تماما عن بقية مكونات مجتمع الإقامة وثقافته وهو ما يدفع كذلك الى تعزيز مظاهر الانطواء والانعزالية وتقوية حضور المنظمات الاسلاموية وتوفير محضنة للإرهابيين وكل أشكال الانغلاق والتعصب الفكري والعنف المادي.
إنّ نزعات القتل باسم العقيدة ومفاهيم الجهاد وما الى ذلك ليست سوى ثمرة متعفّنة لشجرة ترعاها جيّدا أيادي خفية تعرف ماذا تريد وكيف تصل إلى ما تريد.
لا شكّ أنّ هذه الوسائل ناجحة إلى حدّ كبير مع الأسف إذ تنامت نزعات اليمين المتطرف والعنصري المعادي للحرية والاختلاف وعمّم النزعات اليمينية الراديكالية المضادة وليس ذلك في حقيقة الأمر سوى قفا لنفس الصورة والعقيدة الصادرة عن الإرهابيين.
طبعا لا مجال للخروج من هذه البوتقة السوداء والعنف الدموي الأعمى الا إذا ما تمّ تفكيك العمود الفقري للمؤسسة الإرهابية التي سميناها شركة الإرهاب المتعددة الجنسيات والعابرة للقوميات والتي لا يخفى أنّ آل سعود واردوغان وامراء قطر وسائر القوى الدينية الرجعية، وغيرهم كثير في كل مكان، هم المدراء الكبار الفعليون لهذه الشركة. إنّ المقاومة لا تقتصر على قصف هنا او طائرة دون طيار تحلّق هناك او جهاز عسكري وأمني يتقصّى الإرهابيين في مختلف المواقع ومراحل نشاطهم فإضافة إلى العمل العسكري والبوليسي يستوجب الأمر في الحقيقة اقتلاع الشجرة الفاسدة من جذورها وذلك بدك مفرخة الإرهاب ومنبته والدفاع عن قيم التعدد والحرية والاختلاف لدى المهاجرين ومواطني البلدان المستقبلة لهم في نفس الوقت اذ على أمام القوى المدنية والتقدمية في هذه البلدان عمل كبير عليها إنجازه. وعلى نظرائهم في بلداننا نفس العمل تقريبا وذلك عن طريق العمل السياسي والمدني والثقافي لبناء ديمقراطيات تصون الحرية وتحقق الكرامة لمواطنيهم وتحقق السيادة الفعلية، ففي الواقع هناك أيضا سياسات اقتصادية واجتماعية عنيفة جدا يتمّ تطبيقها في كل مكان وتقدّم نفسها على أنّها نموذج كوني أفرز نموذجا كونيا آخر موغلا في الرجعية ومتمحورا حول الهوية والدين..
إنّ الاستبداد والديكتاتوريات وسياسات الفقر والهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة والانغلاق الفكري والايديولوجي ما هي إلاّ آليات متنوّعة تعمّق الخطر الإرهابي وتعممّه ... لا بدّ من مواجهة هذا التمييز الاجتماعي والقومي والاثني الذي تغذيه الرأسمالية المعولمة والحركات الإرهابية بمقاومة فاعلة وعلى جميع الجبهات...

مختار بن حفصة
 مارس 2016

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire