mercredi 9 février 2011

اجتماع قمة الثماني باسكتلندا
إنّهم ثمانية... ولكنّنا ستة مليارات

تنعقد القمة السنوية لمجموعة الثماني هذه السنة باسكتلندا فيما بين 6 و9 جويلية. ومرة أخرى يجتمع رؤساء البلدان الأغنى في العالم (الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، روسيا) لمناقشة أولويات الاقتصاد العالمي ومتطلباته.
وقد سبق موعد القمّة هذه السنة تصريحات كثيرة – خصوصا بعد لقاء بوش وبلير- تقول إنّ جزءا كبيرا من الاهتمام سيتعلّق بإفريقيا وديون بلدان الجنوب وتقليص الفقر في العالم. وليست مثل هذه الحملات الإعلامية من طرف قادة الدول الغنية قبل القمة وأثناءها جديدة فكثيرا ما كرروا نفس الكلام ووعدوا بنفس الوعود في المواعيد السابقة دون أن تتحسّن أوضاع البلدان الفقيرة فعلا بل على العكس من ذلك فإنّ مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى التدهور المتنامي وتنذر أنّ الكارثة محدقة. إنّ هذا التناقض بين الوعود والأفعال يبرهن أنّ الأمر لا يعدو أن يكون حملات إعلامية تقوم على التعمية وتعقيم العقول حتى لا تربط بين هذه الأوضاع وأدوات هيمنة الدول الغنية وشركاتها المتعددة الجنسيات على فقراء العالم. وكثيرا ما ينتهز الثمانية الكبار هذه الفرص بجعلها مناسبة للإفاضة في التعبير عن المشاعر الإنسانية حيال هؤلاء الفقراء أما الأسباب الحقيقية لمثل تلك الأوضاع الكارثية فموضوع لا نجد له أثرا في تصريحاتهم وإن فعلوا فلا يخجلوا من الوقوع في المغالطات مدّعين أن الوصفة الليبرالية لم تطبق كما ينبغي أو أنّها مازالت في البداية ومن الطبيعي إذن أن ترافقها المرارة والآلام لأنّ ذلك هو شأن كل دواء.
إنّ بوش وبلير وبقية فريق الثمانية يعرفون جيدا أنّ الحملات الإعلامية والتصريحات المشفقة والمنشغلة بقضايا الفقر والمديونية والأمراض والجوع... في الصفحات الأولى من الصحف وصدارة نشرات الأخبار هي أمر ضروري للإيهام أنّه لا خلاف في تشخيص واقع العالم الثالث وأنّهم باعتبارهم كبار الأسرة الدولية عليهم أن يتصرفوا كربّ العائلة وبالتالي تقع مسؤولية إصلاح الأمور عليهم أمّا الشعوب فهي أطفال لم تبلغ بعد سن الرشد.
إنّ ما بادر به بلير وظفر بتزكية بوش له قبل انعقاد القمة والمتعلق بإلغاء ديون مجموعة من البلدان الأكثر فقرا أمر يحتاج إلى وقفة تأمّل خاصة وأنّ مجموعة الثماني وصفت هذا القرار بأنّه "تاريخي".
صرح وزراء المالية في مجموعة الثماني يوم 11 جوان 2005 أنّه ألغيت فورا ديون 18 بلدا فقيرا شديد التداين بنسبة 100% على أن تلغى ديون 9 بلدان أخرى في غضون الـ18 شهرا القادمة.
إنّه قرار " تاريخي " فعلا فلم يسبق أن تمّ الإعلان ماضيا عن مثل هذه المبادرة رغم كثرة الوعود والتصريحات التي أعلنت عنها مجموعة الثماني حول مسألة ديون البلدان الفقيرة (إعادة جدولة،تخفيف، إلغاء جزئي..) لكنّ المبادرة أبعد ما تكون حلاّ نهائيا لهذه المعضلة التي كثيرا ما أعاقت شعوب البلدان المعنية من ضمان أبسط متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة. ثمّ هي مبادرة أبعد ما تكون استجابة لمطالب الحركات الاجتماعية بالإلغاء الكليّ والفوري لديون العالم الثالث. إنّ مبادرة مجموعة الثماني لا تخلو من الريبة وهي مناورة أخرى لإفراغ مطلب الإلغاء من محتواه وذلك للاختلاف الكبير بين مضمون التصريح الصحفي (إلغاء ديون 18 بلدا فورا وبنسبة مائة بالمائة) والإجراءات العملية لهذا القرار التي تجعله محدودا إلى حدّ كبير ويتجلّى ذلك في:
  • أنّ الإلغاء يهمّ الديون المتعددة الأطراف فقط ( صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية) ولا يشمل الدائنين الآخرين (الديون الخاصة والديون ثنائية الأطراف).
  • أنّ الإلغاء أعلنت عنه مجموعة الثمانية باسم كلّ الدول الدائنة في المؤسسات المالية الدولية وهو ما يستوجب موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي عليه. ولئن كان دور مجموعة الثمانية قويا في هذا المجلس فمن المتوقع أنّ النقاش والقرار في القاعات المغلقة سيكون مختلفا عن التصريحات المعلنة أمام كاميرات التلفزيون.
  • أنّ مبادرة الإلغاء مشروطة بشروط لا يقلّ تأثيرها عن حجم الديون في حدّ ذاتها. ذلك أنّ البلدان المستفيدة من الإلغاء سيتم تقليص المساعدات العمومية للتنمية التي تحصل عليها باعتبارها أصبحت حسب منطق الدائنين في وضع أفضل. ثمّ إنّ هذه المساعدات لا تصرف للبلدان المستفيدة إلاّ إذا استجابت إلى شروط تتعلق ببرامج التكييف الهيكلي لاقتصادياتها.
إنّ شروط هذه المبادرة وحدودها لا تعني في نهاية المطاف غير انغلاق دائرة الحلقة الجهنمية لعبء الدين الخارجي واتساع مدى التبعية وتأبيد التخلف. ثمّ إنّ الجديد والتاريخي فيها حقّا هو أنّ حجم المناورة والكذب أصبح بحجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذا العبء على شعوب البلدان المعنية.
إنّ دور وسائل الإعلام ومعاينات المناضلين من أجل إلغاء الديون كليا وفورا ودون شروط هو جمع الحجج المضادة والكشف عن حدود هذه المبادرات والمناورات التي تلتجئ إليها مؤسسات الإمبريالية السياسية والمالية.
فكيف يهلل الثمانية الكبار لهذا القرار التاريخي والحال أنّهم قدموا وعودا كثيرة في مناسبات سابقة؟ ألا يعني هذا أنّ الإلغاء الموعود به سابقا لم يتحقق وأنّه كان أكاذيب محبوكة أو على الأقل أنّ إجراءاتهم السابقة المتعلقة بمعضلة الدين لم تكن حلاّ للمشكل؟ ثمّ هل يمكن أن نسمي هذه المبادرة إلغاء في حين أنّ هذه البلدان سددت تلك الديون أضعافا مضاعفة؟ ولماذا كان هذا الإلغاء خاصا بمجموعة دون أخرى؟ ومن المسؤول عن الخراب والدمار الذي خلفته عقود عديدة من التداين المشط؟
إنّ الشعوب لا تثق في كذابين احتالوا عليهم لنهب ثرواتهم وافتضح أمرهم في أكثرمن مناسبة سواء في العراق الذي بدا لهم مدججا بأسلحة الدمار الشامل وعيونهم مركّزة لا محالة على المخزون الهائل من الثروات النفطية أو فلسطين حينما يقدمون شارون رجل سلام ملّ التنازلات أمّا الشعب الفلسطيني ومؤسساته لم يفرّخ غير الإرهاب....
إنّ هذه الوعود ما هي في نهاية المطاف إلا خطة هادفة إلى ضرب سرب من العصافير بحجر واحد وهو تفصّي حكومات الدول الثماني الأغنى من مسؤولية ما آلت إليه سياساتهم وحروبهم ورغبتهم في تأمين استمرار آليات الهيمنة وتعهدها باستمرار على نحو لا يرتفع فيه أنين الضحية فينقلب نقمة على الجاني المفلت من العقاب.إضافة إلى كونها هادفة إلى تأطير النقد والاحتجاج اللذين ما فتئا يتصاعدان ضد الأغنياء الثمانية.
بدائل مجموعة الثماني ومنتدى الشعوب : مرحلة أخرى في النضال ضد الليبرالية والحرب
لئن لم تعد هذه القمم تمرّ في صمت منذ أكثر من عشرية فإنّ السنوات الأخيرة شهدت تعبئة وتحركات قوية ضد مجموعة الثماني ومشاريعها سواء في موعد القمة ومكان انعقادها أو محليا وإقليميا في التحركات المناهضة للسياسات الإمبريالية والعسكرة والاحتلال وهو ما جعل حركة النضالات تتقوى شيئا فشيئا في مستوى العدد والتوزع الجغرافي أو المحتوى بمناقشة البدائل ونزع القناع عن مؤسسات الإمبريالية وحقيقة مقاصدها وعلاقتها بالشعوب.
إنّ مناضلي العولمة البديلة لن يتركوا قمة هذه السنة تمر دون أن يستعدوا لها على نحو ينمى النضالات المتراكمة. بل إن المعركة بدأت قبل انعقاد القمة بإصدار العديد من التحاليل والدراسات التي تمثل حججا مضادة تكشف زيف التطمينات والوعود التي ما فتئ بوش وبلير يتوجهان بها في الأشهر الأخيرة إلى فقراء العالم ( إلغاء ديون البلدان الأكثر فقرا تجاوز المستنقع العراقي وتثبيت الحرية والرفاه في الشرق الأوسط...)
لقد تم في اسكتلندا إعداد العدة لاستقبال الزعماء الثمانية بما يليق بهم إذ تكوّن منذ جويلية 2004 تحالف " بدائل مجموعة الثماني" الذي أعد أسبوعا (من 1 إلى 8 جويلية 2005 ) من التحركات المناهضة وهو تحالف واسع ضم العديد من المنظمات النقابية والحركات الاجتماعية والأفراد وكان هذا التحالف قد حدد هدفه منذ نشأته وهو أن : " يجمع أكثر ما يمكن مناهضي الرأسمالية ومنظمات التنمية والنقابات والمناضلين ضد الحرب والمناضلين في مجال البيئة وحقوق الإنسان وذلك للنقاش والتبادل والتظاهر ضد السياسات النيوليبرالية والعسكرية لمجموعة الثماني."
وستتمحور التعبئة في القمة البديلة لهذه السنة حول المحاور التالية :
  • الحرب والإمبريالية
  • الحريات المدنية في خطر

إفريقيا

  • التغيرات المناخية
  • حق اللجوء والهجرة
  • المخاطر النووية
  • العولمة الليبرالية والخصخصة
  • التنمية، التجارة، الدين.
يكشف تنوع المحاور وشموليتها مدى مسؤولية حكومات البلدان الثمانية عن الدمار الاجتماعي والإنساني والبيئي بسبب سياساتها. ويقول السيد جوشوا براون، وهو أحد النشطاء في هذا التحالف : " إذا كنا نريد فعلا التلاقي والنقاش وتبادل التجارب والأفكار فإننا نريد كذلك ترجمة أفكارنا في تحركات ملموسة... إننا نريد أن نحوّل الأفكار والسياسة من القاعات والرؤوس إلى الشارع..". ويتضمن البرنامج كذلك محاصرة القاعدة العسكرية فاسلان يوم الاثنين 4 جويلية (مع العلم أن اسكتلندا تضم لوحدها 70 قاعدة عسكرية) لإدانة أسلحة الدمار الشامل وبيان أن خطرها الحقيقي متأت من بوش وبلير وليس في العراق. أما يوم الأربعاء 6 جويلية فسيكون اللحظة الأقوى في الاحتجاجات حيث سيتجه الجميع إلى قرية في الريف حيث يجتمع الثمانية في قصر فسيح تحيط به ملاعب الصولجان. ويضيف براون قائلا عن برنامج هذا اليوم : " سنحاصرهم في قصرهم، سنزعجهم ونقول لهم أنّه غير مرحب بهم هنا وأنّهم لن يجتمعوا في هدوء دون ضجيج احتجاجاتنا ، سنشعرهم بأنّهم غير شرعيين وأنّه عليهم الرحيل.."
إنّ الاحتجاجات الأقوى ستكون لا محالة في اسكتلندا ولكن القول لا لعصابة الثمانية سنسمعه في أرجاء أخرى من الأرض ...سنسمعه للمرة الرابعة على التوالي في مالي حيث ستنعقد القمة الإفريقية البديلة المعروفة بـ"منتدى الشعوب" وستحتضنها هذه السنة مدينة فانا (مالي). ويعدّ هذا المنتدى أوّل فضاء للحركات الاجتماعية الإفريقية المناهض لمجموعة الثماني وهو أحد مكونات المنتدى الاجتماعي الإفريقي والعالمي. وإضافة إلى انعقاده في أربع دورات متتالية فإن نجاح منتدى الشعوب يكمن كذلك في توسعه النسبي في غرب القارة الإفريقية وفي انخراط الفلاحين في ديناميكية المقاومة الاجتماعية وصياغة البدائل للسياسات النيوليبرالية. ومن بين المحاور الأساسية التي سيركز عليها المنتدى نجد " الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا" (النيباد) وآثارها على البلدان الإفريقية جنوب الصحراء إضافة إلى مسائل الخصخصة والتجارة (القطن) والخدمات الاجتماعية والعمومية (النقل، الماء، التعليم، الصحة، الكهرباء..) وفي يلي البرنامج الكامل للمنتدى في دورته الرابعة
  • 4 سنوات من تبني الحكومات الإفريقية لــ" الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا " (النيباد) : أيّ حصيلة؟
  • الخدمات الاجتماعية الأساسية
  • سياسة التشغيل
  • التصرّف في الأموال العمومية
  • الديون : إعلانات الإلغاء تتابع ولكنّ المبالغ ترتفع
  • السيادة الغذائية
صحيح أنّ تقييم الاستراتيجية النيوليبرالية المعممة في العالم بأسره تقريبا ما فتئ يحظى بعناية مختلف الحركات والفاعلين الاجتماعيين وصحيح أن حركات النضال والتعبئة ضد الآثار المدمرة لسياسات حكومات مجموعة الثماني في بلدانها وبلدان العالم الثالث ما فتئت تتعاظم وتتجمع وترتقي بأدائها ولكنّ المنطقة العربية شبه خالية من النضالات والتعبئات خاصة وأنّها تمثل بؤرة الهيمنة الإمبريالية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ثم إنّ البلاد العربية من بين المناطق الأكثر هشاشة وعرضة لدمار استراتيجية حكومات الشمال والمؤسسات المالية الدولية.
إنّ الديكتاتوريات العربية هي أداة أخرى من أدوات الهيمنة والتبعية كثيرا ما يراهن عليها قادة الشمال حتى لا تفلت منطقة كبيرة من العالم سواء من حيث موقعها أو اضطراباتها أو ثرواتها من المراقبة المباشرة. إنّ وضعا كهذا يستوجب بناء حركات اجتماعية وسياسية متحالفة تربط النضال ضد الاستبداد والديكتاتورية بالنضال ضدّ ديكتاتورية السوق والهيمنة التي تجسدها بوضوح مجموعة الثماني والمؤسسات المالية الدولية.
مختار بن حفصة
راد أتاك تونس

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire