mercredi 9 février 2011

ديكتاتورية ابن علي وديكتاتورية رأس المال العالمي

 لعلّ ما يلفت الانتباه بعد نجاح الثورة في إجبار الدكتاتور على الفرار هو انشغال التونسيات والتونسيين بالشأن السياسي سواء أكان ذلك في فضاءات الاحزاب السياسية أو في مختلف وسائل الإعلام ومؤسسات العمل أو في الشوارع والساحات العامة. واللافت كذلك أنّ مجمل هذه النقاشات والآراء تتعلّق بالبعد الديمقراطي لمطالب الثورة ونادرا ما نسمع تشخيصا واقترحات تتعلّق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي العام ما عدا مطالب اجتماعية جزئية لمختلف القطاعات (الحقوق الاجتماعية، الأجور، اشكال العمل الهشّ...) وهي وإن كانت مطالب مشروعة وشكل من اشكال استمرار الثورة غير أنّها لم ترق إلى وضع النظام الاقتصادي والاجتماعي برمّته موضع تساؤل. وإذا كان الجميع في تونس اليوم يتحدّث عن حكم ابن علي البلاد بالبوليس والإعلام والمسخ السياسي ممثّلا في حزب التجمّع فمن النادر كذلك أن نسمع عن دور المؤسسات المالية الدولية وحكومات الشمال الغنيّة في ثبات هذا الحكم الديكتاتوري طيلة 23 سنة ومساندتها له باستمرار ويكفي في هذا السياق أن نعود إلى تقارير صندوق النقد الدولي والبنك العالمي أو تصريحات جاك شيراك وسيلفيو برلسكوني على سبيل المثال.
اعتقد أنّه لا يجب أن يغيب عن أذهننا أنّ الثورة التونسية هي ثورة اجتماعية كذلك إضافة إلى بعدها الديمقراطي. بل هي كذلك في منطلقها ثم اتّخذت فيما بعد بعدا معمّما وصل المسألة الاجتماعية بالمطلب الديمقراطي. فهي إذن ثورة على النتائج الاجتماعية للمنوال الاقتصادي والاجتماعي الذي اعتمده ابن علي وحكومته منذ انقلاب 1987 وذلك بتبنّي برنامج التكييف الهيكلي الذي كان قد بدأ العمل به سنة واحدة قبل وصوله إلى الحكم ثم جاءت السياسات اللليبرالية تباعا : الانخراط في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للتجارة والانخراط الكلي في العولمة الرأسمالية عملا بتوصيات مختلف مؤسساتها (الخصخصة، رفع الحواجز الجمركية، ارتفاع حجم الضرائب على البضائع والخدمات في السوق الداخلية.الاستثمار الإجنبي ...الخ) هذا إضافة إلى اعتماد التداين كاستراتيجة أساسية في النظام الاقتصادي. تمّ كلّ ذلك في غياب تامّ للحريات السياسية . بل لا يغيب عن الملاحظ أنّه كلّما تمّ التقدّم في مسار الليبرالية الاقتصادية والفساد ازدادت وتيرة القمع. ويمكن اختزال مرحلة حكم بن علي في كونه : فسح المجال للرأسمال ولعائلته ومحيطه للاستيلاء على مقدّرات الشعب التونسي وتعزيز قوى البوليس لمراقبة المجتمع وقمع كل نهوض سياسي واجتماعي فيه.
ويكفي أن نورد بعض المؤشرات في هذا النص القصير حتى نتبيّن إلى أيّ مدى كان ابن علي مدعوما من ديكتاتورية أشمل هي ديكتاتورية السوق ممثلة في مؤسساتها السياسية والمالية المذكورة أعلاه.
لقد صرّح السيّد دومنيك شتروس كان، مدير صندوق النقد الدولي إثر تكريم بن علي له بوسام الجمهورية في 18 نوفمبر 2008 قائلا : la Tunisie est saine ثمّ اضاف :  le jugement du FMI à l’égard de la Tunisie est très positif  دون أن يشير أو حتّى يلمّح إلى القمع المعمّ الذي كان من علّق له ذلك الوسام يمارسه على الشعب التونسي. امّا وكالة التشجيع على الاستثمار الخارجي (FIPA) فقد كانت وثائقها تعلن صراحة عن تقديم امتيازات مالية وجبائية وعقارية هامة للرأس المال الأجنبي كالإعفاء التامّ من الأداء على أرباح الصادرات طيلة 10 سنوات والحقّ في إعادة توطين الارباح ..الخ. وقد أبرمت حكومة ابن علي برئاسة الغنوشي ما يقارب 50 اتفاقية حماية الاستثمار أغلبها مع بلدان الثالوث الغنيّ. وقد صرّح روبارتو زيكاتو، رئيس نقابة الأعراف بمقاطعة فيتشنزا الايطالية :la Tunisie offre l’un des meilleurs environnements pour faire des affaires . مع العلم أنّ ثلثيْ صادرات الصناعة من تونس هي ليست تونسية وإنّما تابعة لشركات أجنبية..ويكفي أن نشير إلى انتصاب حوالي 1250 مؤسسة فرنسية في تونس وبلوغ حجم الاستثمار الفرنسي سنة 2008 ما قيمته 280 مليون أورو لنفهم موقف الحكومة الفرنسية من ثورة الكرامة وسعي وزيرة خارجيتها على مساعدة ابن علي بوسائل القمع لوأد الثورة في المهد.
كما مثّل الدين الخارجي أحد أبرز طرق ترحيل الثروة من تونس نحو المركز منذ أمد بعيد. ويمكن للأرقام وحدها أن تشير إلى أيّ مدى كانت ديكتاتورية ابن علي في خدمة الرأسمال العالمي بدلا من خدمة التونسيين. لقد ارتفع حجم الدين الخارجي العمومي إلى 14،4 مليار دولار سنة 2009 بعد أن كان3،21 مليار دولار سنة 1970. وقد مثّل التحويل الصافي (الفارق بين ما يقترض وما يتمّ تسديده من مبالغ) في نفس الفترة2،47 مليار دولار.
يمثّل الدين الخارجي عبئا ثقيلا على كاهل الشعب التونسي وهو عائق مهمّ لكلّ تنمية تضمن العيش الكريم للجميع. بل إنّه في صورة من صوره لا يعدو إلاّ أن يكون ترحيلا للثروة، التي يكدّ من أجلها التونسيون، إلى المركز. ويمكن استعارة أمثولة القط الذي يلعق السكين للتعبير عن النزيف الخطير الذي تمثّله آلية الدين باعتبار أنّ الدولة كانت مضطرّة إلى الانخراط في سيرورة جديدة من التداين لتسديد الديون القديمة.
إنّ قادة الحكومات الأوروبية انخرطوا جميعا في لعن الديكتاتورية بعد فرار ابن علي وهم الذين لم يبخلوا عليه سابقا بشهادات الإطراء والتمجيد مدّعين أنهم لا يقدمون دروسا لأحد عندما يسألون عن الديمقراطية، إنّهم بذلك لا يتعاطفون مع الشعب التونسي كما يزعمون بقدر ما يسعون إلى ضمان عدم مساس الثورة بالنظام الاقتصادي وما تشبّث الوزير الأوّل ووزير التعاون الدولي ووزير الصناعة بمواقعهم إلاّ دليل على أنّهم الضمان الاساسي لتحقيق هذا الهدف.وقد كانوا مهندسي (أو متمّمي) برامج الخصخصة والسياسة الاقتصادية الليبرالية، دون أن ننسى تخلّي السيد النابلي عن مسؤوليته الرفيعة في البنك الدولي وتعيينه محافظا للبنك المركزي. وقد كان التركيز على فساد ابن علي وعائلته المدخل الرئيسي في هذه الحملة الساعية إلى سدّ الطريق أمام الثورة حتّى لا تعصف بالسياسة الاقتصادية المتّبعة. إنّهم بذلك يريدون القول إنّ الفساد في الاشخاص وليس في النظام.
إنّ استمرار الثورة ونجاحها يستوجب إذن وضع المسألة الاقتصادية والاجتماعية ضمن جدول الأعمال. ويمكن في هذا الاطار اقتراح مطالب عاجلة من قبيل إلغاء الديون الخارجية المبرمة في عهد ابن علي باعتبارها ديونا كريهة (dette odieuse) استنادا إلى القانون الدولي الذي يتيح للشعوب المتحررة من الديكتاتوريات أن تلغي ديونها الخارجية. والاستناد كذلك إلى تجارب مماثلة تم فيها هذا التوقف عن التسديد ولعل آخرها ما اقدمت عليه الحكومة الارجنتينية إثر انتفاضة الطناجر سنة 2001 حين استغلّت المبالغ المخصصة للتسديد في الاستثمارات العمومية دون ان تكون بحاجة إلى المزيد من الاقتراض. إنّ مثل هذا المطلب أبعد ما يكون عن الخيال ويكفي أن نضيف إلى الحجة القانونية والتاريخية شروع أحرار العالم في النضال من أجل ذلك تعبيرا منهم عن مساندة صادقة للثورة التونسية من ذلك ما قامت به السيّدة أولغن زيهن، السناتور عن الحزب الاشتراكي البلجيكي، حيث طلب من حكومة بلادها إلغاء الديون الثنائية الأطراف. كما طلبت من حكومة بلادها رفع دعوى قضائية من اجل إلغاء الدين الخارجي لتونس الذي يجمعها بالمؤسسات المتعددة الأطراف.
ملاحظة : اعتمد هذا المقال على بعض المعطيات والأرقام المنشورة على موقع اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث
مختار بن حفصة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire