lundi 21 mars 2011

من أجل منتدى اجتماعي تونسي


كتب هذا المقال ونشر بجريدة الموقف عدد 240 وأعيد نشره هنا لأنّ المنتدى الاجتماعي التونسي مازال لم يتقدّم بناؤه عمّا كان عليه في سنوات الجمر!!!

من أجل منتدى اجتماعي تونس
من أجل تونس الحقوق ... كل الحقوق لكل الناس
مختار بن حفصة 
بدأ الحديث في المدّة الأخيرة في أوساط بعض الجمعيات والمناضلين الحقوقيين والاجتماعيين عن ضرورة بعث منتدى اجتماعي تونسي. وكانت جمعيّة راد أتاك تونس قد أصدرت في ماي 2003 نداء يؤكد على أهميّة عقد مثل هذا المنتدى الاجتماعي كما اختتم المشاركون والمشاركات في ندوة "الكلفة الاجتماعية للعولمة " المنعقدة بالمنستير يوميْ 11 و12 أكتوبر بتنظيم من فروع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بالساحل أشغالهم بالدعوة نفسها.

وتأتي هذه النداءات تعبيرا عن بروز بوادر حركة اجتماعية تونسية ما فتئت تتبلور في المدّة الأخيرة نظرا إلى ما آلت إليه الساسية الليبرالية المدمّرة المتّبعة منذ ما يزيد عن 15 سنة، إذ أخضعت بلادنا منذ 1986 إلى سياسة التكييف الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ولكن أيضا التي هرعت إليها الحكومة، وهي في أوج أزمتها، بعد فشل ذريع لسياسة امتدّت ما يقارب الخمسين سنة وزعمت أنّها تهدف إلى بناء تونس الحديثة وتحقيق التنمية. وتوسّعت سياسة التحطيم الليبرالي هذه أكثر منذ بدء تنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 والتي وسّعت تبعا لذلك من رقعة الحريق الليبرالي لكلّ ما هو اجتماعي : التقشّف في الميزانية، تفاقم فوائد الدين، إلغاء الدولة لالتزاماتها الاجتماعية ، الخوصصة وطرد آلاف العمال، تزايد نسب البطالة ولا سيّما لدى الشباب من أصحاب الشهادات الجامعية، قوارب الموت...إنّ حصيلة عشرية من التكييف الهيكلي وما يقارب العشرية من تطبيق اتفاقية الشراكة مدمّرة إذ أنّ فشل مشروع التنمية بعد 1956 لم يجعل البلاد بهيمنة المنطق الليبرالي الجديد تتجاوز التخلّف باعتبار أنّه منطق اختار الهروب إلى الأمام بضربه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

إنّ وضعا اجتماعيا كهذا يتفاقم فيه التفاوت الاجتماعي وتخضع فيه البلاد إلى ديكتاتورية السوق التي تسهر عليها مؤسسات مالية دولية متواطئة مع ديكتاتورية سياسية محلية، لم يعد مقبولا بالنسبة إلى عموم التونسيات والتونسيين الذين يكدّون دون أن ينالوا نصيبهم من ثروة أصبح الجزء الأعظم منها يحوّل إلى الرأسمال العالمي المهيمن عن طريق خوصصة زاحفة ولزمات طويلة المدى وتسديد ديون ما فتئت تتزايد...

وفي مقابل ذلك، وفي ظلّ دعاية يومية للحكومة حول قدرتها اجتناب بطش غول العولمة وإنقاذ" أبنائها" منه، نعتقد أنّه لا بدّ من إطفاء الحريق ولكن من الضروري كذلك وضع حد لتقرير "المهووسين بإشعال الحرائق" مصير المواطنات والمواطنين بدلا منهم. ولقد بدأت بعد الحركات الاجتماعية المقاومة في نحت تصورات لعولمة بديلة ولا سيّما في المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد ثلاث مرات متتالية ببورتو أليغري منذ 2001  ومختلف المنتديات الإقليمية والمحلية (المنتدى الاجتماعي الإفريقي، المنتدى الاجتماعي الأوروبي، المنتدى الاجتماعي المغربي...) وهو ما يمكّننا من الاستفادة من هذه المنتديات ومختلف التجارب المقاومة للعولمة الرأسمالية.

 
إنّ الخاصيّة الأساسية لمنتدى اجتماعي تونسي هي أن يكون فضاء مفتوحا للتلاقي والحوار وتبادل الخبرات والتجارب وأن يكون كذلك فرصة للتفكير الجماعي ومنطلقا لبناء التصورات وبعث المبادرات وسبل العمل الجماعي والمقاومة الاجتماعية. في كلمة إنّه منتدى يبرز أنّ الخروج من الليبرالية أمر ممكن بدءا من تجميع الطاقات والانتقال من حال العجز والتذمر إلى المقاومة والتفكير في البدائل.

صحيح أنّ الحركة الاجتماعية في بلادنا مازالت ضعيفة وأنّ أشكال المقاومة مازالت محتشمة ومشتتة (عمال يدافعون عن مصادر رزقهم، نقابيون يناضلون من أجل حقوق اقتصادية واجتماعية بات مهددة أكثر فأكثر، مناضلون من أجل الديموقراطية والحريات...). وهنا بالضبط تبدو راهنية بناء منتدى اجتماعي يعزّز نواة هذه الحركة ويفتح الآفاق أمامها. فليست المقاومة الاجتماعية غريبة عن تونس (26 جانفي 1978، انتفاضة الخبز في 1984، مختلف المحطات النضالية للاتحاد العام التونسي للشغل...) وليست هي بمفقودة تماما اليوم بل إنّ ما ينقصها هو تجميع طاقاتها وتشبيك مكوّناتها في حركة أفقية وديموقراطية واسعة (جمعيات المجتمع المدني، نقابات عمالية، مناضلون حقوقيون، حركات نسوية، أفراد ، مثقفون وصحافيون...)، حركة تجمع جهود مختلف الفاعلين الاجتماعيين ومناضلات ومناضلي المجتمع المدني. إنّها حركة تحترم الاختلاف في التصورات ومجالات التدخل واستقلالية كلّ هيئة أو فرد ولكن ذلك لا يمنعنا من تعزيز نضالاتنا المشتركة وترقية حركتنا من أجل تونس أخرى. تلك هي أخصّ خصائص المنتدى الاجتماعي، أن يكون مفتوحا ولا ينطلق من أطراف أو مرجعيات أو منهجية محددين سلفا. يتحقّقّ بناؤه وضبط أطره وأهدافه بفضل النقاش العميق والديموقراطي والاستفادة من خبرات وتجارب نضالية أصيلة خاضها التونسيون والتونسيات منذ الاستقلال في سبيل بناء تونس ديموقراطية تضمن فيها المساواة والعدل والحقوق. كما يمكننا الاستفادة من تجارب انسانية متنوعة أدركت اليوم انّه من الضروري أن تجتمع مختلف القوى الفاعلة والمناضلة من أجل عولمة بديلة في جميع أنحاء العالم.إنّه منتدى يقاوم محليا وينخرط في ديناميكية النضال العالمي من أجل عولمة بديلة، مكوّن من مكوّناتها يثريها ويستفيد منها وما هو إلاّ بداية في مسار طويل....من أجل مستقبل أفضل.

(المصدر  صحيفة الموقف العد 240)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire